الرئيس الأكثر تمثيلاً مسيحياً… بدعة باسيلية للبيع بثمن بخس

محمد شمس الدين

انتهت ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان ودخل البلد بعدها فراغاً دام ما يقارب السنتين ونصف السنة، وخلال هذه الفترة رفع “التيار الوطني الحر” نظرية “الرئيس القوي”، أي الرئيس الأكثر تمثيلاً بطائفته، وعطل البلد يومها مع حلفائه من أجل ايصال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، حتى أتى اليوم المشؤوم في 31-10-2016، ووصل “الرئيس القوي” إلى بعبدا، وكان متوافقاً مع حزب “القوات اللبنانية” على هذه الفكرة، والتي كانت ضمن محادثات اتفاق معراب بين الطرفين. واليوم عاد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الى هذه الفكرة، ويرفض البحث في التوافق على اسم رئيس، إلا ضمن شروطه التعجيزية، أما “القوات” فتعلق كثيراً على الموضوع لأن فكرة “الرئيس القوي” لمصلحتها اليوم، مع حيازتها على أكبر عدد من النواب المسيحيين، ولكن هل كان لبنان ينتخب دوماً “الرئيس القوي”؟

لم يعتبر رئيس لبنان الأول بعد الاستقلال بشارة الخوري نفسه الأقوى مسيحياً، ولا حتى منافسه وقتها ريمون إده، فقد كانت تنضوي تحت تكتل الرجلين جميع الأطياف. وعنددما وصل كميل شمعون إلى الرئاسة لم يكن يعتبر نفسه المسيحي القوي، بل كان لقبه “فتى العروبة الأغر”، الذي أطلقه عليه المسلمون قبل غيرهم، وهو لم يصل بفضل حزب “الوطنيين الأحرار”، فقد أسسسه بعد نهاية ولايته الرئاسية. أما فؤاد شهاب فوصل إلى سدة الرئاسة بعد تسوية إقليمية مصرية – أميركية، ولم يكن يملك تمثيلاً مسيحياً، بل كان قائد الجيش في حينها، وبسبب نجاحه أصبح هناك ما يسمى الحالة الشهابية، ولكنها لم تكن تنظيماً فعلياً وتمتلك التمثيل المسيحي الأكبر. وحتى سليمان فرنجية لم يكن يعتبر الأكثر تمثيلاً مسيحياً، بل ان من كان السبب الرئيس في وصوله إلى الرئاسة، هو مؤسس الحزب “التقدمي الاشتراكي” الزعيم كمال جنبلاط. بينما الرئيس الياس سركيس انتخب في ظروف قاهرة بعد اشتعال الحرب الأهلية، ولم يكن المسيحي القوي. وقد تكون المرة الوحيدة التي انتخب فيها من يعتبر الأكثر تمثيلاً مسيحياً، علماً أنها لم تكن الأكثر تمثيلاً نيابياً مسيحياً، هي انتخاب بشير الجميل، وورث مكانه أمين الجميل بعد اغتياله. أما بعد الطائف، وبعدما كان المسيحيون خارج الحكم، فلم يصل الرئيس الأكثر تمثيلاً مسيحياً، لا الياس الهراوي ولا اميل لحود، وبالطبع ليس ميشال سليمان، إلى أن وصل ميشال عون وبدأ التسويق لهذه الفكرة، وهي فكرة بين “القوات” و”التيار الوطني الحر” لحصر الرئاسة في ما بينهما، ولكنها ليست من أصل النظام اللبناني.

في هذا السياق، أوضح نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي في حديث لـ “لبنان الكبير” أنه هو صاحب نظرية القوي بطائفته، ولكن ليس كما يحاول البعض تفسيرها اليوم، وقال: “يومها كنت أحاول طرح قانون الانتخاب الأرثوذكسي، من أجل تصحيح الخطأ الذي حصل بعد العام 2005، بحيث كان استيلاد النواب المسيحيين أغلبه عبر الطوائف الأخرى، وذلك من منطلق أن النائب يجب أن يكون ممثلاً للبيئة التي ينتمي إليها، ولكن في الموضوع الرئاسي كان الأمر مختلفاً، فقد عُقدت حينها اجتماعات في كنف بكركي بمباركة من غبطة البطريرك (بشارة) الراعي، وكنت أنا ووزير الخارجية الحالي موفدين من قبله، ويترأس الاجتماعات المطران (سمير) مظلوم، وكان هناك موفدون للأحزاب الموارنة الأربعة، تيار المردة، حزب الكتائب، حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والنقاش حول أن يكون رئيس الجمهورية يمثل أوسع قاعدة مسيحية، ولكن لم يتم الاتفاق على هذا الأمر، إلا أنه اتفق على أن أي رئيس يصل من الأحزاب الأربعة هذه، يكون رئيساً قوياً، وتم التوصل إلى وثيقة موقعة بهذا الأمر”.

أضاف الفرزلي: “هذه هي النظرية، ولا يمكن لجبران باسيل قياس الأكثر تمثيلاً مسيحياً على مقياسه، أما على مستوى التمثيل النيابي، فقد كان الرئيس سعد الحريري الأكثر تمثيلاً عام 2016، لذلك فليكف جبران عن نظرياته، وأنا قلتها وأكررها (سموك مسحراتي ورمضان خلص). وقد تعرض جبران لهزيمة مدوية اليوم (امس) من النائب ستريدا جعجع، التي توجهت إليه بكلام واضح”.

الرئيس الأكثر تمثيلاً مسيحياً، نظرية لا تصح تاريخياً، ولا حتى هي صحيحة وفق الاجتماعات التي حصلت في بكركي، والموثقة باتفاق موقع، وكل ما يثيره باسيل حول هذا الأمر ما هو إلا فقاعة في محاولة لفرض أجنداته على اللبنانيين، علماً أنه ليس من يملك التمثيل النيابي الأكبر مسيحياً اليوم، وإذا أصر على هذه النظرية، فيفترض أن تكون حصة الرئاسة لـ”القوات اللبنانية”، ولكن هذا أمر لا تقبله غالبية الأفرقاء في لبنان، وعلى رأسها “حزب الله”، ولا جبران أو التيار مقبولان عند بقية الأطراف في البلد، فهل كل ما يفعله باسيل، هو تصعيد من أجل بيع الرئاسة بثمن مكتسبات بخس؟

شارك المقال