شهيدة جبل محسن تنكأ الجراح… والفتنة مرفوضة!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تكفي مطالبة أهالي الطالبة “الشهيدة” ماغي محمود (16 عاماً) ومناشدتهم وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة المسؤولين عن الفاجعة التي ضربت أبناء جبل محسن أول من أمس، بعد سقوط سقف في المدرسة على رأسها وتضرج جسدها بالدماء أمام زميلاتها، ولا تكفي الدعوة إلى تنفيذ إضراب خصّص لطرابلس وكأنّ المدينة هي وحدها “المنكوبة” من الطاقم السياسيّ الذي لا يقوم بدوره، كما لا تكفي مطالبة الأهالي باستقالة الحلبي الذي وصف الحادثة بالفاجعة، لكنّها في الواقع، هي ليست فاجعة فحسب بل مجزرة تُرتكب بحقّ الجيل الجديد الذي دمّرت طموحاته وشغفه اجتماعياً، نفسياً وتربوياً.

يعيش أهالي جبل محسن صدمة كبيرة دفعتهم إلى حالٍ من الغليان الشعبي، فهم يحاولون بالطرق كافة إعادة إحياء منطقتهم بعد ما اقترفه السياسيون فيها من جرائم ورطت الكثير من أبنائها في ملفات أو قضايا لم تعدّ من أولوياتهم، لذا، لم يتمكّنوا من إخفاء حسرتهم وغضبهم من هذه الدّولة، الأمر الذي دفعهم إلى قطع الطرقات أمس، فيما أبدت مدارس أخرى كـ “مدرسة سليمان البستاني” قلقها من حال المبنى وأعلنت إدارتها أنّها بريئة من أيّ نقطة دم قد تسيل في سبيل هذه الطبقة السياسية، التي أعلنت إضراباً “شكلياً” ويُمكن القول بأنّه عنصريّ ولا يمتّ الى الواقع بصلة، فهذه الضربة كان يُمكن أن تعلن بسببها “حال الطوارئ” في كلّ المناطق اللبنانية رفضاً لعدم قيام المعنيين بواجباتهم.

وبعيداً عمّا حدث، فإنّ الفاجعة جمعت معظم المدارس التي أعربت عن تعاطف كبير، كما جمعت الأمّهات اللواتي شعرنّ بغصّة وحرقة لا يُحسدن عليهما، فكلّ امرأة كانت تنظر إلى طفلتها التي تتوجه إلى مدرستها يومياً بنظرة خوف من شؤم هذا الواقع الذي لا يدفع أحداً إلى الشعور بالاطمئنان والاستقرار.

في التفاصيل، وقبل موعد الاستراحة الصباحية، وفي الحصة الثانية انهار السقف في الصف ليقع على رأس ماغي التي فارقت الحياة على الفور، فيما أصيبت شذى دوريش بجروح بالغة وكانت حالتها خطيرة جداً. وبعد هذه الفاجعة، رفضت إدارة مدرسة “الأميركان” المقفلة، البوح بأيّ تفصيل أو معلومة قبل انتهاء التحقيقات، مع العلم أنّ معطيات “لبنان الكبير” تُشير إلى بدء التحقيقات مع قيام الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمّد خير بمتابعة الموضوع قريباً.

ووفق مصدر من جبل محسن لـ “لبنان الكبير”، فإنّ وفداً من وزارة التربية، إضافة إلى النائبين فراس سلوم وملحم خلف كانوا قد زاروا المدرسة، أمّا سلوم فحضر الجنازة والعزاء، وسبقهم في هذه الزيارات اللواء خير الذي سيزور عائلة ماغي في الأيّام المقبلة، لكنّه بانتظار عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي قد يُعد تعويضاً للعائلة التي تُعاني من حال اقتصادية متردّية للغاية، موضحاً أنّ لا جديد في التحقيقات بهذه القضية حتّى اللحظة.

وبدا لافتاً ما صرّح به النواب الطرابلسيون حول هذه المأساة، فيما غاب تصريح النائب رامي فنج الذي انتقده الكثير من المواطنين لأن آخر تغريدة كتبها ترتبط بالاتحاد الأوروبي. كما انتقد أهالي جبل محسن عدم قيام النائب سلوم بجمع نواب طرابلس “الذين يجتمعون على أيّ قضية أو مشروع مهما كان، لكن على قضية إنسانية تجمع لبنان كلّه، لم نلمس تدخلاً من هؤلاء النواب الذين لم نرَ منهم حتّى الوقوف دقيقة صمت”. كما وجّه انتقاد آخر الى النائب العلوي من عكار أحمد رستم.

ووفق معلومات “لبنان الكبير” فإنّ اللواء خير يشعر بالامتعاض من عدم قيام وزير التربية حتّى اللحظة بزيارة إلى المدرسة شخصياً.

وحسب متابع آخر من الجبل، فإنّ المدرسة التراثية والتي كانت “مرتعاً” للمخابرات السورية خلال الحرب وبعدها، قام المعنيون منذ التسعينيات بترميمها، وهي معروفة بأنّها “مدرسة منكوبة” أو “مخيفة” نظراً الى حجم الضحايا الذين كانوا يُقتلون خلال الأحداث ودفنهم فيها بطريقة وحشية، وفق ما يُشدّد الكثير من أبناء المدينة.

وقال المتابع لـ “لبنان الكبير”: “السنة الماضية سقط سقف أيضاً وزار وزير التربية المدرسة لكن لم يعمل على ترميمها أو ترميم صفوفها التي تحتاج إلى دعم، فهذا السقف الحجري كان يحتاج إلى دعامة من حديد ليستقرّ مكانه، لكن الاهمال يُفسر هذه النتيجة المؤسفة التي يتحمّل المهندسون جزءاً منها”.

وقطعت الطرقات تضامناً مع هذه القضية في جبل محسن، فضلاً عن تنفيذ اعتصامات للطلاب كرّروا فيها جملة “بالروح بالدمّ نفديكِ يا ماغي”.

في السياق، ناشد المختار عبد اللطيف صالح وهو ناشط اجتماعي وسياسي في الجبل، بعض القضاة “النزيهين” الاسهام في كشف الحقيقة ومتابعة هذا الموضوع، “وليعتبر القضاة أنّ ماغي ابنتهم، كي لا يذهب حقّها ودماؤها هدراً”.

وقال: “إنّ ثانوية القبة الرسمية المعروفة بالأميركان، كانت تابعة للوقف الماروني وقد اشتراها شخص وفق اتفاقية على بند جزائي يمنع حصول أيّ تغيير في المدرسة ما عدا الترميم، وما حدث أمس (الأول) في الصف الذي هو عبارة عن غرفتين أزيل بينهما الجدار وترك الجسر معلّقاً منذ العام 2016، كان من نصيب ماغي التي تجلس عادة في آخر الصف، لكنّها اختارت الاقتراب من المقاعد الأولى فوقعت المصيبة على رأسها”.

وإذْ أشار صالح إلى تقصير المهندسين في عملهم، استغرب أيضاً ممّن يدخل إلى المدرسة لاجراء كشف عليها من وزارة التربية ولم يجدّ حلاً لهذه المشكلات، لافتاً الى أن “الوزير زار منذ عشرين يوماً مدرستين في الجبل وهما الأميركان والبستاني واطلّع على وضعهما مؤكّداً أنّهما صالحتان للتعليم”.

وعن وضع التلميذة الجريحة شذى، أكد أنّها تعرّضت لكسرين في الحوض، واصفاً ما حصل بـ “الفضيحة التربوية والصحية”. وتطرّق إلى رفض “مستشفى النيني” الخاصّ إدخال شذى من دون دفع 2000 دولار على الحساب وهو ما بادرت “اليونيسف” إلى دفعه.

ولا يُخفي الغضب والحزن اللذين يلفان جبل محسن، مشدداً على ضرورة التركيز على ثلاثة شروط أساسية لفتح المدارس، وهي: معالجة الجرحى على نفقة وزارة الصحة كلّياً، إصدار تقرير مفصّل عن حال المدرسة في أسرع وقتٍ ممكن، وكشف الفاعل والمتسبّب وإحالته على القضاء المختصّ سريعاً.

وحذر صالح من احتمال حصول “معمعة” تطمس الحقائق كما حصل في حادثة التلّ الأخيرة التي قتل فيها ابن جبل محسن بدم بارد بعيداً عن عدل القضاء، “الأمر الذي سيدفعنا إلى التصعيد حتماً وهو وارد في أيّ لحظة”.

كما تحدّث عن المقطع الصوتي الذي انتشر من عمر دندشي ودعا فيه الى عدم الترحم على ماغي نظراً الى انتمائها إلى الطائفة العلوية الكريمة، الأمر الذي أحدث زعزعة طائفية “في غير محلّها” في هذه الظروف، ما دفع آل دندشي الى إصدار بيان يتبرؤون فيه من هذا المقطع ويترحمون على روح هذه الطفلة.

شارك المقال