“الطائف” حَيّ فينا

أمين بشير
أمين بشير

‏الأزمة اللبنانية ليست أزمة نظام أو دستور، انها أزمة سلاح غير شرعي يسيطر على هذه الدولة ويضرب عرض الحائط بوثيقة الوفاق الوطني والدستور.

وإنّ محاولات الأحزاب اللبنانية استنساخ تجربة “حزب الله” الطائفية كياناً وممارسة أغرقت لبنان في ظلمات الجهل والتعصب وشهوة المكاسب والطمع في حصة أكبر في النظام، وأصبحت كل طائفة لديها إدارة سياسية خاصة بها وممثل لها في الجمهورية اللبنانية، وهي مكان لتقاسم الحصص بين هذه الأحزاب وطبعاً الطرف الأقوى هو “حزب الله” كما صرح مؤخراً السيد حسن نصر الله نفسه.

هناك طائفة خرجت من اتفاق الطائف لدى وصول ممثلها لدى الجمهورية اللبنانية الى الرئاسة (تطبيقاً لمبدأ الأقوى في طائفته) وهناك أخرى أُخرجت البارحة من اتفاق الطائف بعد أن خضعت للاغتيال الجسدي والسياسي (بقرار من محكمة دولية منبثقة من شرعية دولية وشرعية دستورية).

وهناك طائفة تعتبر أن فائض القوة وعطاءاتها للبنان من محاربة اسرائيل الى محاربة الإرهاب حتى الإتيان بثروة نفطية بعد اتفاق الترسيم، أعطاها الحق في تخطي الدستور .فلم تحترم أياً من النصوص الدستورية في تشكيل الحكومة، لا في الشكل ولا في المضمون، من حيث مطالبة رئيس الجمهورية بالموافقة على جميع الأسماء المطروحة والابتزاز باحتكاره التوقيع، كأن النظام في لبنان تحول من نظام برلماني الى نظام رئاسي وكأن المجلس النيابي المنوط به إعطاء الثقة أو حجبها غير موجود أصلاً، كما بدعة الثلث المعطل أو الاستئثار بوزارة المال، أو حصة رئيس الجمهورية، كلها مخالفات جسيمة وجوهرية للدستور واتفاق الطائف.

وقد غُلّفت جميع هذه الممارسات ببدعة رافقت الحياة السياسية اللبنانية في ظل جميع الاحتلالات من الاحتلال السوري الى الاحتلال الايراني وهي بدعة الديموقراطية التوافقية، أي التوافق بالقوة، أي بحكم القوي وليس بحكم القانون .

لماذا التمسك بهذا الدستور وهذا الطائف؟

لأن هذا الاتفاق كلف اللبنانيين أكثر من ١٢٠ ألف قتيل.

ولأن هذا الاتفاق ميثاقي، ولأنه قابل اذا ما طبق أن ينقلنا الى الدولة المدنية، ولأنه يجب أن يطبق على قاعدة قوة التوازن وليس على قاعدة موازين القوى.

فقد جاء تحالف السلطة (العوني/ حزب الله) يريد أن ينسف هذا الاتفاق على قاعدة أن موازين القوى اختلفت في المنطقة، ويريد اعادة تركيب نظام جديد على قاعدة موازين قوى جديدة بعد أن أصبحت ايران قوة صاعدة تفاوض الأميركي وتأتي بالفرنسي وسيطاً تجارياً.

قالها أحمد قبلان “السلاح مقابل الدستور” وأي دستور يريد؟ ومن يضمن بعد أن يأخذ الدستور لن يبقى السلاح كضمانة للدستور الجديد وجزءاً منه أيضاً بتشريعه في المجلس النيابي كما فعلوا في العراق بتشريع الحشد الشعبي بقانون خرج من المجلس النيابي، فتصبح معاشات هذا الفيلق الايراني الهوى من جيوب اللبنانيين وميزانية الدولة ولا سيما اليوم بعد أن كرّس الحزب نظرية أن المسيّرات قد أتت بالثروة النفطية فمن يجرؤ على أن يقول لا؟ ففي عقيدة الحزب “السلاح هو الضمانة وليس الدستور”.

السلاح في مواجهة القرارات الشرعية الدولية 

وربما الأخطر من هذا أن قرارات الشرعية الدولية مبنية أصلاً على وثيقة الوفاق الوطني وحكماً على الدستور واتفاق الطائف، فإذا ما قمنا بتغيير هذا الدستور أو تعديله أو تطويره فاننا ذاهبون الى انهيار كل قرارات الشرعية الدولية :

فالقرار ١٥٥٩ مبني على حصرية السلاح بناءً على اتفاق الطائف.

والقرار ١٧٠١ مبني أيضاً على اتفاق الطائف.

كما أن القرار ١٦٨٠ مبني على نهائية الكيان اللبناني الذي ينص عليه الدستور، وبما أن هذا الكيان أصبح نهائياً نستطيع أن نطالب بترسيم الحدود مع سوريا، وفي حال الخروج عن الدستور لا توجد حاجة حينها الى ترسيم الحدود، وقد ذكرنا النظام السوري مؤخراً بأنه لا يعترف بالحدود ولا حتى بلبنان كياناً فأدار ظهره لزيارة الوفد اللبناني للحديث حتى في الموضوع، وأكد المؤكد بأنه ينظر بفوقية مفرطة الى النظام اللبناني الى درجة أن عملاءه في الداخل قد برروا هذا الأمر بالخطأ الجسيم الذي قامت به الدولة اللبنانية وكيف تجرؤ على اتخاذ قرار كهذا، أي قرار الزيارة بإرادة منفردة مستقلة؟

‏واهم من يعتقد بأنه يستطيع أن ينقلب على اتفاق الطائف وإعادة عقارب الساعة الى الوراء بعد قتل رفيق الحريري والاستقواء بسلاح “حزب الله” الايراني، ظنّاً منه أن موازين القوى الاقليمية انقلبت لصالحه.

‏المحاولات المتكررة لاغتيال الطائف، سوف تضع البلاد في المجهول، من محاولات الحصول على الثلث الضامن أو المعطّل ومهما تعددت التسميات، الى محاولات الهروب الى مؤتمرات دولية والحديث عن تعديل طفيف في المهل، كأن توضع مهلة لرئيس الجمهورية من أجل الدعوة الى الاستشارات والمطروحة في شهر واحد، ومهلة لرئيس الحكومة تكون مماثلة لها معوّلين على حسن النية لدى رئيس الجمهورية والتي لم يعوّل عليها يوماً، فكيف توضع مهلة لرئيس الحكومة الذي إن تقدم بتشكيلة ولم يوافق عليها الرئيس وتكون انقضت هذه المهلة يتوجب عليه الاعتذار والاتيان برئيس حكومة مكلف جديد، ويبقى الحال هكذا حتى الاتيان برئيس حكومة يوافق عليه رئيس الجمهورية، وبالتالي الانتقاص من صلاحيات رئيس الحكومة وتقييده ووضع طائفة بكاملها في مواجهة الخطر بتقليص دورها وتقزيمه وعودتها الى ما قبل الحرب الأهلية البغيضة؟

يوماً بعد يوم نتبين عمق أزمة العهد مع اتفاق الطائف، ولا يتوانى جبران باسيل عن المجاهرة بالعمل على اعادة ما سلب من حقوق للمسيحيين في اتفاق الطائف، بالممارسة والعرف وليس بالقانون بدءاً من الثلث المعطل للحكومة الى وظائف الدولة بكامل فئاتها.

إذاً، ليس بهذه السهولة يمكن تعديل الدستور أو النظام، وإذا ما أرادت هذه الادارات السياسية الطائفية في لبنان أن تقوم بوضع نظام جديد وفق ميزان القوى الجديد فتأتي بالمثالثة بدل المناصفة، وعلى الرغم من نكران السيد حسن نصر الله لها في خطاباته، الا أننا نرى هذا في الممارسة العملانية، من المدير العام للأمن العام الذي كان مسيحياً فأصبح شيعياً بعرف شرعي مكرّس، الى وزير المالية، الى وظائف أدنى درجة تخاض معارك عليها، علنية منها، ومنها صامتة لسلب مواقع ومراكز في الدولة اللبنانية. واذا ما تمادوا في هذا الأمر وطالبوا بأن يصبح دستوراً جديداً فإنهم حتماً ذاهبون الى المحظور، وأحداث الطيونة وخلدة الأخيرة خير إشارة الى ما يمكن أن تذهب اليه الأمور اذا ما تناسينا أحداث طرابلس والمناطق السنية الأخرى واعترفنا فرضاً بأنها خلايا داعشية نائمة.

لا شك في أن هناك وسطاً سياسياً في لبنان يعي هذه المؤامرات المتكررة لاغتيال الطائف، كما أن الشعب اللبناني الذي اختبر الحرب واختبر السلم سوف يتجاوزهم ويكون الى جانب القانون والدستور والطائف.

شارك المقال