في إدارة الفراغين… “حزب الله” يشتري ويبيع

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

مع مغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا، دخلت البلاد مرحلة جديدة عنوانها الفراغ، وهو فراغ مزدوج في رئاسة الجمهورية وفي رئاسة مجلس الوزراء، بفعل ممارسات عهد عون الانتقامي الذي عمل على تشويه اتفاق الطائف واعتباره صيغة دستورية فاشلة، عبر تعطيل تشكيل الحكومة وعملها من خلال وزراء “التيار الوطني الحر” أو عدم التوقيع على القوانين وتعطيل جلسات مجلس الوزراء، ليقول بأن الطائف سيء ويجب إعادة النظر به، واستخدم كل صلاحياته للانتقام ممن وقفوا مع الطائف، ومع هذا كان الجنرال النرجسي يصطدم بمواد الدستور فلم يستطع تجاوزها على الرغم من محاولاته، الا أنه نجح في تعطيل رئاسة مجلس الوزراء والنشاط الحكومي.

الرسالة التي أرسلها عون الى مجلس النواب وحاول الرئيس نبيه بري الالتفاف عليها والدعوة الى مناقشتها اليوم الخميس، بتخريجة تقوم أولاً على التركيز على انتخاب رئيس للجمهورية كونها الأساس وحث النواب على التوافق على الشخصية المناسبة، الا أن هذه الفكرة أصبحت وراءنا، فالواضح أن الفراغ سيد الموقف، وثانياً بالدعوة الى الحوار وتفعيلها في المجلس النيابي لكي تأخذ شرعيتها من المجلس المنتخب، وبالتالي لم يأخذ بري بدعوة عون في رسالته الى اعادة تكليف رئيس جديد لتشكيل حكومة، وتناساها لأن الرئيس أصبح من الماضي ولم يعد هناك من أهمية لما أورده في رسالته، أي اصبحت مع خروجه لزوم ما لا يلزم كون الحكومة مستقيلة أصلاً، والواضح أن عون فشل في إحداث خضة عبر دعوته الى سحب التكليف، فحكومة تصريف الأعمال ستواصل عملها بشرعية مجلس النواب.

لقد عطل عون عمل الحكومة عبر المساومات، وكان واضحاً ذلك بارساله مدير القصر الجمهوري أنطوان شقير للتفاوض مع الرئيس ميقاتي بالقبول بخمسة وزراء يديرهم عون من الرابية، لكن ميقاتي أفشل الصفقة، اذ فهم أن الرضوخ وتمرير شروط الرجل آخر عهده لن يؤتي بثمار، وعليه نعيش اليوم تعطيلاً مزدوجاً، فالعونيون أرادوا حصة الأسد من الحكومة ولا يريدون اعطاءها الثقة وهذا دليل على حالة الانفصام والانفصال عن الواقع.

وفق مصادر سياسية متابعة، فإن “عون لم يخرج من بعبدا بطلاً بل مذلول وإن أحيط بحشد من المؤيدين، وقال انه أراد أن يسلم لرئيس يدير ما أنجزه. وهذا يفسر سبب تعطشه الى توقيع اتفاقات واهية وصفقات أسماها انجازات، وقال في خطبة الوداع ان عهده فشل، وتسلح بالظروف القاسية لأنهم (ما خلوه)، بدل أن يعتذر من اللبنانيين على ارسالهم الى قعر جهنم ودفعهم الى التفتيش عن أوطان جديدة ريثما ينهي هو فيللته الفخمة”، معتبرة أن “الحشد العوني كان رسالة الى حزب الله، للقول انه لا يزال صاحب القرار المسيحي الأقوى في لبنان وأي تفاوض على اسم الرئيس المقبل سيكون مع تياره”.

وتذكر المصادر بأن “عون كان دوماً يفكر في مستقبل الصهر ما قبل التسوية التي أتت به رئيساً وخلالها وبعدها، فهو الهم الرئيس له، وبدا ذلك واضحاً ليس من خلال التعطيل والتلاعب بالدستور والتحكم في تركيب الحكومات وخلق الصراعات مع كل المكونات وحسب، بل كان منذ البداية يقول بأن جبران بديلي، وعشنا في ازدواجية رئاسية، رئيس العلن ميشال عون الذي لا ينفع ولا يضر، ورئيس الظل جبران باسيل الذي كان يحيك المؤامرات ويبني أسس الفساد ويحرك الصراعات، وهذا ما عاشه اللبنانيون لأول مرة في تاريخهم السياسي”.

وتستدرك هذه المصادر، لتقول: “في الأسبوع الأخير كان واضحاً طلب عون من حزب الله مساعدته لانتخاب جبران بغية التفلت من العقوبات ليستمر في فساده لا سيما في الكهرباء وايصالنا الى العتمة الشاملة وهو الذي اعتبر العقوبات عليه بطولة”.

ولا تشكك في أن سياسة عون “قتلت الوطن لأن هدفها الأساس كان نيل جبران كرسي بعبدا، من شعار اعادة حقوق مسيحيين وطريقة التوزير والتوظيف والسطو على الدولة من قبل رجالات تلة 888 في معارك سوق الغرب المشهورة خلال الحرب الأهلية، عندما ادعى أنه يريد تكسير رأس الأسد، فقام الأخير بتكسير لبنان فوق رؤوس جميع اللبنانيين، تاركاً وراءه ألاف الشهداء والمعتقلين من الجيش اللبناني. وعاد باتفاق ليقدم نفسه خادماً في مشروع أقلية الأقليات، محاولاً ليس الانقلاب على الطائف وحسب، بل أخذ انتقامه من الطائفة السنية، واضعاً نفسه في عهدة التطرف الايراني”.

مع الدخول الى الفراغ وفشل عون في الانقلاب على الطائف والوصول الى المثالثة وايصال صهره الى سدة الرئاسة، يمكن القول انه خرج كما عاد، ودفع لبنان أثمان سياساته بانهيار اقتصادي ومالي الا أن الشعب تنفس الصعداء، متفائلاً بإمكان إخراج لبنان من الجحيم، وفقاً لذلك ترى المصادر أن “حل مشكلة اليوم أي الفراغ بيد حزب الله، فهو كان يتحفنا بأن سلاحه للضغط على اسرائيل وأن مسيراته حققت (نصر) الترسيم، وان كان صحيحاً أنه فرض على اسرائيل وأميركا ترسيم الحدود فكيف لم يتمكن من فرض تشكيل حكومة كي لا نقع في فراغ مزدوج؟ والواضح أنه يريد هذا الفراغ وادارته بطريقته ورعاية مسرحية سياسية تمكنه من التفاوض مع الخارج، والجميع يعرف أن انتاج رئاسة في لبنان لم تعد في داخل البرلمان اللبناني المقسوم فلا أحد من الكتل يستطيع أن يشكل أكثرية. فحزب الله لم يطرح اسم مرشح ولا يريد التفاوض على اسم أو حرق أسماء كما يقول، علماً أن مرشحه هو سليمان فرنجية لكنه يريد تسويقه خارج لبنان لا داخله، وعبر تسوية كبرى. هو يريد (قبض ثمن) ما تم تسهيله لأميركا والغرب في عملية ترسيم الحدود والدخول في مرحلة التطبيع مع اسرائيل، فالأمين العام للحزب قال اننا دخلنا في عصر جديد، اذهبوا وافرحوا وهذا يعني أن سلاحه وقوته هما للضغط للوصول الى فرض مرشحه وفق معادلة النفط مقابل الرئيس”.

وفق هذه التوقعات، يبدو من الواضح أننا ذاهبون الى فوضى دستورية ارتكبها عون بطريقة مباشرة لخدمة “حزب الله”، وأراد من خلالها القول له ان جبران يضمن لكم استمراريتكم ست سنوات كما ضمنتها أنا. وجبران يريد نهب ما تبقى من البلد وتسليمه الى “حزب الله”. فمرحلة الفوضى الدستورية وادارة الفراغ ستكون مرحلة صعبة وقد تؤدي الى فوضى أمنية هدد بها التيار العوني، وقد يوافق الحزب على ذلك ويتجاوز ترشيح فرنجية لصالح “الهاكر” جبران.

شارك المقال