“الشيوعي” كلٌّ يغني على ليلاه

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يلخص (ع م) وضع الشيوعيين حالياً بجملة واحدة تختصر كل الكلام على حد قوله: “هم مرتمون في أحضان حزب الله ويعملون وفق أجندته”.

هذا الكلام ليس صادماً بالنسبة إلى من يتابع وضع الحزب الشيوعي الذي كان خلال الحرب الأهلية حزباً مقاتلاً جماهيرياً، وما قبلها أيضاً كان مناضلوه معرفين في الساحات الطلابية والعمالية والزراعية، يطالبون بالخبز والحرية، ولكن مع انهيار الاشتراكية في التسعينيات والانتقال إلى حالة السلم الأهلي بعد اتفاق الطائف لم يتلاءم مع تطلعات البعض، فحصلت خلافات في التوجهات السياسية، البعض يريد الاندماج في المرحلة الجديدة ومواكبتها انطلاقاً من المصلحة الوطنية اللبنانية التي تتطلب الانفتاح على الآخر، والبعض الآخر يريد إبقاء سقف القرارات وفق آلية “الشقيقة”ن لعلّ وعسى يحصّل الشيوعيون موقعاً ما في السلطة على شاكلة نائب أو وزير على سبيل المثال. وقد تحولت مؤتمرات الحزب إلى معارك لا يمكن وصفها بأنها كانت ديموقراطية على الإطلاق، فالصراع حُسم مع انتخاب خالد حدادة أمينا عاماً للحزب، وفي وقت فيه كان المزاج الشعبي يميل إلى الانخراط في معركة إخراج الجيش السوري من لبنان والمطالبة بالحرية والسيادة والعدالة لأرواح شهداء جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري ورفاقه، وللشهداء الذين اغتيلوا لاحقاً، ومن بينهم الأمين العام السابق للحزب جورج حاوي.

كان الجنوب اللبناني معقلا للشيوعيين، لكن مع صعود “حزب الله” بتنسيق إيراني ـــ سوري، تم خلال النصف الثاني من الثمانينيات إضعاف بنية الشيوعي من خلال الاغتيالات وتهجير عائلات شيوعية وغرهابها، لا بل وصلت الأمور إلى إطلاق النار على ظهور مقاومين كانوا يعودون من عمليات عسكرية ينفذونها داخل القرى الجنوبية المحتلة. والأنكى أن حلفاء سوريا من قوى محلية معروفة كانت تمنع الصلاة على أرواح شهداء “جبهة المقاومة” التي أسسها الشيوعيون في 16 أيلول 1982 واستطاعت تحرير 70% من الأراضي المحتلة، قبل أن تصبح المقاومة ورقة إيران في المنطقة على يد “حزب الله”.

صحيح أن الشيوعيين الشباب واليساريين في الجنوب شكلوا خلال ثورة 17 تشرين التي فضلوا إطلاق تعبير “انتفاضة” عليها، عصباً أساسياً، لضعف القوى السياسية الأخرى في هذه المنطقة، ولأن معظمها ملحق بـــ”الممانعة” علناً وجهاراً، إلا أن الشيوعي تحت عنوان “المقاومة” ظل تابعاً يميل يميناً ويساراً بخطابه من دون أن يحسم وجهته على الأقل من باب تقديم المصلحة الوطنية بدل السكوت على مشاريع الولي الفقيه وفضحها مع حليفها السوري. إذ بدا أن قيادته تفضل الارتهان لعل وعسى تحصد ذات يوم ثمن خياراتها وتضحياتها في سبيل الاعتراف بالنهج الممانع تحت عناوين سياسية فضفاضة لم تعد قادرة على الاستقطاب.

يشرح احد الشيوعيين لـــ”لبنان الكبير” وضع منظمات الحزب في الجنوب قائلاً: “هناك ثلاث وجهات نظر، اثنتان تنقسمان بين حنا غريب الأمين العام الحالي والأمين العام السابق خالد حدادة، والمجموعة الثالثة ضائعة وعاطفية، كل همها الحفاظ على الحزب وتاريخه، وهي غير مؤثرة لأنها في النهاية تذهب إلى تنفيذ ما تقرره القيادة، والتي غالباً ما تأخذهم إلى ما تريد مستخدمة شعارات ثورية لا تسمن ولا تغني من جوع كما يقولون”.

ويوضح أنه “في الانتخابات الماضية مثلاً شكلنا سوية لجنة قيادية لخوض المعركة، على أساس أن نعمل جميعاً على جمع قوى اليسار والمعارضين وتوحيدهم، إلا أن سلوك الشيوعيين على الأرض كان عكس ذلك، وبدا وكأنهم يعملون على تفتيت المعارضة وتصنيفها تحت عناوين مختلفة، هذا يجوز وهذا لا يجوز، لقد حاولوا جاهدين تبني مرشحين ممانعين، على سبيل المثال تبني ترشيح أعضاء من الحزب القومي السوري (المعارضة) والتنسيق مع حركة الشعب وحزب البعث وشنوا هجومات على مرشحين يساريين ورفض ترشيحهم مثل الرفيق خليل ريحان بحجة أنه في حركة “اليسار الديموقراطي”، والأكثر خطورة انهم أرادوا فرض البيان السياسي الذي تمحورت بنوده حول موضوع المقاومة أي مقاومة حزب الله والدفاع عنها، تحت عنوان أننا نحن المقاومة وأنه لا يجوز التحالف مع حزب الكتائب والقوات وتيار المستقبل وغيرهم وكل هذا ليبرروا انهم هم أمام خيارين لا ثالث لهما، أي الاختيار بين قوى اليمين والسلطة وبين خيار ما أسموه المقاومة”.

وبحسبه “كنا نرى ذلك منذ اللحظة الأولى حيث إن سلوكهم كان يشير إلى تفتيت المعارضة، والدليل على ذلك أنه تم شكرهم على ما قاموا به من الكاتب حبيب فياض وهو شقيق النائب علي فياض، فذهبوا أخيرا وخاضوا معركتهم وحدهم تقريباً وقد جروا معهم منظمة العمل الشيوعي للأسف التي اكتشفت خطأها لاحقا وقد عبرت لنا عن ذلك”.

ويلفت إلى أنه “في الانتخابات الماضية كانت تقديراتهم أنهم سيحصلون على حوالي العشرين ألف صوت وذلك في نقاش بيننا وبينهم وكانت تقديراتنا أنهم سيحصلون على خمسة آلاف صوت وكانت النتيجة أنهم حصلوا على ٤٩٧٥ صوتاً”.

ويعرب عن اعتقاده أن “الحزب الشيوعي في الانتخابات المقبلة سيقوم بنفس الدور السابق ولن يتغير أو يبدل في تموضعه، واعتقد أيضاً أن رغم كل ما حصل معهم بعد ثورة ١٧ تشرين من قمع وتعرض، فإنهم لن يغيروا أبداً، تموضعهم ثابت حتى الآن في أحضان الممانعة وهم غير قادرين على الخروج منه”.

ولا يرى بالمناسبة أي “خلاف سياسي بين خالد حدادة وحنا غريب، الفرق الوحيد بينهما هو طريقة التعبير، فحدادة أوضح أنه يريد إعلان تموضع الحزب بشكل علني مع الممانعة، أما غريب فيريد ذلك بالمناورة والكذب والنفاق”.

من جهته، يصف شيوعي آخر تواصلنا معه، وهو من الذين يشاركون في كل الفاعليات والتحركات الحزبية مواقف الحزب بــ”المبطنة، تخفي المواقف العلنية وكل شيوعي على ليلاه يغني، لا موقف موحداً، حتى المؤتمر يتم تأجيله ساعة بحجة كورونا وساعة بحجة الثورة، وكان يفترض انجاز المؤتمر في العام 2019، والآن لا أحد يريد عقد المؤتمر كما يبدو”.

ويؤكد أن “القيادة تتهرب من الإجابة عن أي موضوع حساس، هناك تناقضات كبيرة في المواقف، مثلا لا أحد يعلن أنه مؤيد لـ”حزب الله” لكن فعلياً هناك من يدافع عنه، يمكن له مصالح، قابض، مرتشٍ، مندس، كل الاحتمالات واردة”، معتبرا أنه “لا يجوز أن يترك هذا الحزب الذي له تاريخ نضالي عريق، وأنا أؤمن اليوم أنه لا يمكن قيام معارضة حقيقية في لبنان إذا استُثني منها الحزب الشيوعي مع اني “قرفان” من الممارسات”.

ويروي أنه في إحدى المرات تحدث مع الأمين العام للحزب الحالي حنا غريب، كيف تذهب وتعزي بمتّهم، وكان قرار سيصدر من المحكمة الدولية باغتيال جورج حاوي به، معقول عدم التفكير لهذه الدرجة، البعض يخطئ أخطاء قاتلة والأشخاص الذين كانوا يفكرون ذهبوا، هناك في الحزب أشخاص عندهم شعبية ولكنهم ليسوا مفكرين أو قادرين على قراءة الأوضاع السياسية وتحليلها، لذلك تحصل هفوات قاتلة، مثلاً أحد الأشخاص يضع تغريدة على “تويتر” هو لصيق بالأمين العام الذي لم ينتبه لخطورتها، اتصلت بحنا وقلت له هناك جو عام في البلد يقول إن هناك احتلالاً فارسياً للبنان والغالبية الساحقة من الشيوعيين تعتقد بذلك وهؤلاء غير مرتبطين، الشيوعي الذي تربى على المقاومة يختلف موقفه عن هؤلاء الأدوات، فالشيوعي وطني أولاً وأخيراً، ولذلك عليه فهم المشروع الإيراني على حقيقته، وهو مشروع خطير ولا بد أن يقرأ بصورة مختلفة. فما يحصل في العراق وسوريا ولبنان دليل على ذلك. لقد قتل جورج حاوي لأنه كان قادراً على مسك الكثير من الشيوعيين في القرى المعروفة بتأييدها للشيوعيين تاريخياً ويعتبرها “حزب الله” خنجراً في خاصرته، هناك أخطاء تقع عن غير فهم ولا يمكن السكوت عنها، مثلاً عندما جرى تحجيب الشهيدة وفاء نور الدين في الصور”.

وعندما نستوضح منه عن سبب ابتعاد قيادة الحزب عن الاعلام يضحك ويقول: “سيقولون إننا لسنا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ولا مع أحد، كلام ممجوج وعام يتكرر ولا يقول شيئاً في الواقع”.

إشارة إلى أن “لبنان الكبير” حاول الاتصال عبر المسؤول الإعلامي للحزب للحصول على وجهة نظر رسمية من أحد القياديين، فكان الرد أنه غير مخول بالإدلاء بتصاريح في هذه الأيام، وعندما طلبنا أن يصلنا بقيادات حزبية لم يجب على رسائلنا. كما حاولنا الاتصال بأعضاء من المكتب السياسي واللجنة المركزية فكان الجواب مماثلاً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً