منتدى الطائف وغائبان!

مروان الأيوبي

طغت مشهدية منتدى الطائف على الواقع السياسي اللبناني في ظل أزمة سياسية عميقة تجاور أزمة البلد في العام 1989 من دون أن تقاربها بقرقعة السلاح والقصف والدم.

وقبل الشروع في قراءة تحليلية لهذه المشهدية لا بدّ من التوقّف عند ما ذكره الأخضر الابراهيمي عن أهداف الاتفاق التي حدّدها بثلاث نقاط وهي إنهاء حالة الحرب وإعادة إعمار لبنان وإرساء مداميك الدولة المدنية، بحيث نجح الاتفاق في تحقيق الغايتين الأوليتين فيما أخفق في الهدف الثالث أي الدولة المدنية… ولا بدّ من إضافة نقطتين بارزتين يدركهما اللبنانيون من واقع حالهم وهما الاعتراف بنهائية الكيان اللبناني وتثبيت حقوق لبنان العربية.

أسباب الاخفاق في إرساء الدولة المدنية وعدم تطبيق بنود الاتفاق كاملة تعود الى النظام السوري الذي استفاد من ولوج أمراء الحرب وانتصر بهم الى مؤسسات الدولة، فيما كان يرفضه ضمنيّاً وعملياً بسبب النص الواضح الذي يتعلّق بانسحاب القوات السورية تدريجيّاً وبالتالي رفع يدها عن لبنان وهي التي دفعت أثماناً باهظة لتحقق خروج أبو عمّار ومنظّمة التحرير الفلسطينية من لبنان، ثم بإضعاف القوى المسيحية التي خاصمتها منذ العام 1978 قبل أن تطلق الادارة الأميركية يد سوريا في لبنان بُعيد الغزو العراقي للكويت.

وفي استعادة المشهد يمكننا قراءة ما يلي:

في الشكل:

أولاً: كان الحفل حاشداً وجامعاً، اذ شاركت كل الكتل المسيحية بدءاً بالتيار العوني الذي كانت مشاركته علامة فارقة للتناقض الفاضح بين خطابه السياسي المبني على استعادة حقوق المسيحيين من جهة وصلاحيات رئيس الجمهورية المسلوبة بفعل اتفاق الطائف من جهة ثانية وحضوره هذا اللقاء الذي يؤكّد على ربط الوجود الكياني للبنان بهذا الاتفاق. كذلك شارك حزبا “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وتيار “المردة” والعديد من النواب والوزراء المسيحيين الحاليين والسابقين. وحشد الحفل الى جانبهم الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”اللقاء الديموقراطي” وكتلة “التنمية والتحرير” إضافةً الى نواب من تكتل “التغيير” وتكتل “الاعتدال” وتكتل “التجدد” وكثير من نواب الطائفة السنية السابقين والحاليين ومن مختلف التيارات السياسية، عدا عن ممثل رئيس مجلس النواب وحضور رئيس الحكومة الحالي والمكلّف نجيب ميقاتي والرئيس السابق فؤاد السنيورة.

شكّل هذا الحضور الواسع نيابياً ومن قوى سياسية وشرائح نقابية واجتماعية ما بدا حصاراً مفروضاً على “حزب الله” الذي لم يدعَ أساساً بغضّ النظر عن حضور حلفائه الذين يكسرون سور الحصار مضموناً.

فيما غابت الحريرية السياسية عن هذا المشهد، بحكم التزام قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي موقتاً، ولم يحضر من العائلة الا شفيق الحريري بصفة شخصية.

ثانياً: يؤخذ على منظّمي الحفل غياب البروتوكول الرسمي في الصفوف الأمامية حيث اختلط الحابل بالنابل في توزيع المقاعد للشخصيات فيغيب عن الصف الأول ممثلو كتلة “التنمية والتحرير” مثالاً ويعطى المقعد للشيخ عباس الجوهري… والأمثلة كثيرة.

ثالثاً: كان حضور فؤاد السنيورة على المنبر في الجلسة الأولى مستغرباً، اذ لم يكن له أي دور في اتفاق الطائف ومشاركته لزوم ما لا يلزم وليس لها مدلول إلّا محاولة لإنعاشه بعد إخفاقه الكبير في الانتخابات النيابية لحين توافر بديل غير متوافر.

في المضمون:

رابعاً: حمل اللقاء من المملكة العربية السعودية رسائل متعددة منها ما يتّصل بالواقع السياسي المحليّ وأخرى الى الولايات المتحدة الأميركية بأنّ المملكة لا زالت حاضرة وبقوّة في الملف اللبناني ولا يمكن لأي اتفاق أميركي – إيراني أن يتجاوز هذا الحضور. كذلك فإنّ السفير وليد بخاري في حواره مع الصحافي وليد عبود ردّ على دعوة السفارة السويسرية وعرّابها الرئيس الفرنسي بحيث نقل عن الفرنسيين رفضهم لأي تعديل على الاتفاق ونصوصه ومضامينه.

خامساً: كان من المعيب للرئيس السنيورة ألّا يأتي على ذكر الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهو الذي صنع له دوراً كما أرسى سعد الحريري له دوره كرئيس للحكومة. علماً أن السنيورة ما كان ليصبح نائباً لولا تيّار “المستقبل”. لا فضل للسنيورة في دوره والفضل كلّه للحريرية السياسية من الرئيس الشهيد الأب الى الرئيس الابن والمعتكف عن أي دور سياسي حالياً.

وما يؤكّد هذا العيب ما ذكره الوزير الجزائري السابق الأخضر الابراهيمي الذي وجّه التحيّة الى الرئيس رينيه معوّض رئيس الطائف وشهيده، والى شخصيتين لعبتا دوراً بارزاً في الاتفاق هما رفيق الحريري ووزير الخارجية السعودي سعود الفيصل.

سادساً: خطف وليد جنبلاط الكثير من الأضواء لكن على الرغم من حضوره وقع في تناقض مردّه انتفاضة 17 تشرين حين رفض أن يضعه وليد عبّود في سلّة واحدة مع أمراء الحرب مستهجناً شعار “كلن يعني كلن”، فيما أدان قصفه لفندق “البستان” حيث اقامة اللجنة الثلاثية ثم الحديث عن معركة سوق الغرب وتلّة 888.

سابعاً: كان موقف المطران بولس مطر ملتبساً وحاول عدم الاجابة عن الموقف الفعلي للبطريرك نصر الله صفير من الاتفاق، ولدى تكرار السؤال ربط موقفه بما قيل للبطريرك عن خير يرتجى من الاتفاق في ظلّ الواقع السياسي العسكري آنذاك.

ثامناً: كانت الجلسة الثانية من دون أيّة فائدة فعليّة، فالغاية من اللقاء تحققت بالمشهدية التي تجسّدت داخل قاعة الأونيسكو وبما حملت كلمات الجلسة الأولى.

أخيراً، غائبان طبع غيابهما صورة منتدى الطائف أولهما الحريرية السياسية، والثاني “حزب الله” الذي لم يكن ليُدعى أساساً بعد تفاقم دوره الاقليمي في اختراق الساحة العربية لصالح إيران بغضّ النظر عن موقفه المعلن أو المبطن من اتفاق الطائف.

على الرغم من غيابه كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري الأكثر حضوراً… لم يذكر اسمه أو تمرّ صورته الّا وكان التصفيق يعلو داخل القاعة… كان عنوان اللقاء ومضمونه.

الطائف ورفيق الحريري صنوان لا يفترقان، جاءت بهما تسوية إقليمية ودولية وفي مرحلة انتهائها ارتقى رفيق الحريري شهيداً واليوم في ظل الصراع الدولي والإقليمي تجري محاولات الانقضاض على اتفاق الطائف، الذي اعترضت تطبيقه سوريا أوّلاً ثم بعض الغلاة من أمراء الحرب بعد 2005. اتفاق الطائف بالتأكيد مدخل لبناء دولة مدنية تستجيب لأحلام اللبنانيين في العيش خارج قوقعاتهم المذهبية والطائفية وفي بلد ذي سيادة وحريّة واستقلال وعدالة اجتماعية.

نجح وليد بخاري في مهمتّه وبعيداً عن التفاصيل الصغيرة، اذ قال اللبنانيون كلمتهم أنّ الطائف حاضن للكيان اللبناني ودعامته ووجوده.

شارك المقال