اللامركزية… بين إدارية ومالية

محمد شمس الدين

اللامركزية الادارية الموسعة، عنوان يثير دوماً جدلاً عند كل منعطف يمر به لبنان، البعض يرى أنها تتضمن لامركزية مالية، والبعض الآخر يرفض فكرة التقسيم المالي كلياً، معتبراً أنها مدخل إلى الفيدرالية، بل التقسيم الكامل. حتى أن الدستوريين يختلفون على تفسيرها في لبنان، علماً أن من حضروا الطائف وقاموا بصياغته، لم يتحدثوا عن لامركزية مالية. ولكن ماذا تعني فعلاً اللامركزية الادارية الموسعة، وهل تتضمن المالية أم لا؟

إذا كان المقصود باللامركزية الادارية الموسعة أنها لامركزية مالية أيضاً، فهذا يعني أن كل الضرائب المدفوعة في منطقة ما أو مدينة ما، لا تذهب إلى مالية الدولة العامة، بل تصرف في هذه المنطقة فقط. أما إذا لم تكن تتضمن المالية، فهي تقسيم إداري يسهل على المواطنين الحصول على معاملاتهم ووثائقهم من دون الحاجة إلى توجههم إلى الدولة المركزية، في العاصمة بيروت.

قد تدغدغ فكرة اللامركزية المالية عقول البعض، بفعل تسويق أطراف سياسية موتورة في البلد، أن بعض المناطق تدفع ضرائب بينما غيرها لا يدفع، أو أن بعض المناطق تدفع أكثر من غيرها، وبالتالي تريد أن تكون ضرائبها لأهلها فقط. وبغض النظر عن مدى صحة الشق الأول، وهو ليس صحيحاً، فان بعض المناطق في لبنان مهملة كلياً، حتى من الجباية، وعندما قامت حملات للتشجيع على دفع هذه الضرائب، سارع مواطنو هذه المناطق الى دفع ما يتوجب عليهم من دون أي تحفظ. أما الشق الثاني فهو غير منطقي أساسا، اذ هل يمكن مقارنة بيروت وجبيل مثلاً بالهرمل أو عكار؟ فحتى لو دفع أهالي بعض مناطق الأطراف كل الضرائب المتوجبة عليهم، لن تتمكن إدارتهم المحلية من تغطية تكاليف الانماء، وذلك يعود الى أسباب عدة إن كان لجهة عدد السكان، أو لجهة الايرادات من الصناعة والتجارة والسياحة وغيرها التي تحظى بها مناطق أخرى. فلنأخذ مثلاً مدينتي جبيل وزغرتا، جبيل هي منطقة سياحية وصناعية ساحلية، وممر للشمال، وتمتلك مرفأ خاصاً بها، بينما زغرتا وعلى الرغم من وجود بعض المعالم السياحية فيها إلا أنها تعتبر نوعاً ما جبلية، ولا يمر بها إلا من يقصدها أو يقصد بعض القرى الجانبية الموازية لها، ومعظم أهلها يعمل إما في المدن القريبة التي تمتلك فرص عمل، أو في العاصمة بيروت. فهل يمكن أن يعتمد إنماء المدينة على الضريبة البلدية لسكانها فقط، بينما جبيل تحظى بإيرادات ضخمة بسبب موقعها الجغرافي؟ هذا يتناقض مع أبسط مبادئ الانماء المتوازن.

أما التفسير الدستوري فمن الواضح أنه يختلف من خبير إلى آخر، فالأستاذ الجامعي والخبير الدستوري عادل يمين رأى في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن اللامركزية الادارية الموسعة التي ذكرها الطائف هي حكماً تعني لامركزية مالية، من دون أن يلغي ذلك المركزية المالية للدولة، فالوحدات الادارية لا يمكنها القيام بمشاريع من دون أن تكون إيرادات بعض الضرائب والرسوم من حقها. بينما اعتبر أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية حسين عبيد أن ما ورد في الطائف هو اللامركزية الادارية فقط، لأن اعتماد اللامركزية المالية سيؤدي إلى إهمال في الأطراف، ويضرب التكافل الاجتماعي والانماء المتوازن بين المناطق، وهو مدخل إلى التقسيم السياسي واللامركزية السياسية، ووجه آخر من وجوه الفيدرالية، لافتاً الى أن لا مانع من أن تبقى بعض رسوم البلديات للبلديات، ولكن ما يدفع للدولة يجب أن يكون للدولة عموماً.

السياسيون في لبنان لا يفكرون إلا في مصالحهم الضيقة، وعندما يحين موعد الحوار لحل بعض المشكلات التي يعاني منها لبنان، إن كانت بعض الثغرات الدستورية، أو حتى المشكلات الاستراتيجية، يبدأ النقاش من منطلق “من أتى أولاً البيضة أم الدجاجة؟”، وهذا الأمر انطبق على كل الحياة السياسية اللبنانية على مر السنين، لأن العمل السياسي في هذا البلد، ينطلق من سوء نية لدى القوى السياسية، وليس من حس وطني.

شارك المقال