“تروما” الطائف… ومرض العونية

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

من يراقب حالة العونيين وتصرفاتهم بقيادة الصهر الأمين على ميراث عمه ميشال عون الذي أصيب إبان وجوده السابق في موقع الرئاسة في أواخر الثمانينيات بـ”تروما” الطائف، فعمد وفقاً للحالة المرضية النفسية التي عاشها وكان في الأصل يعيشها منذ طفولته، عندما كان يلعب في شوارع حارة حريك، ويقوم بدور نابليون بونابرت وفق ما يروي عارفون من جيرانه، الى فرض هستيريا شعبية عنوانها الجنرال.

لذلك لا يمكن اعتبار تياره السياسي حزباً يرتكز على ايديولوجيا فكرية، بل على رغبات ذاتية لا يتحكم بها منطق، انما عقلية حب الذات والدفاع عن مصلحة الأنا، وترويض كل المحيط من أجل الدفاع عن هستيريا لا تعرف حداً في استفزاز الآخر ونهب ما يمكن وما لا يمكن وتطويع كل شيء من المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والخدماتية لتكون بأمرة المقدس ميشال عون ووريثه جبران المصاب كذلك بمرض مرشده النفسي.

لقد ظهر في فيلم الخروج الشعبي الفاشل من قصر بعبدا للرئيس عون بعد انتهاء ولايته نحو الرابية، أن هناك من لا يشغل عقله وفق شعار “عون وبس والباقي خس”، فكيف سيتعايش هؤلاء مع المكونات اللبنانية الأخرى، وكيف سيتقبلون الهزيمة والخروج من السلطة ويختارون النظام الديموقراطي ويرضون بتبادل السلطة؟

وجاءت سلوكيات العونيين أمام وسائل الاعلام خلال حلقة “صار الوقت” لتثبت كم أن هؤلاء ضيقو الأفق وهم خططوا من أجل البكاء على أطلال السلطة عبر الترويج لمظلومية “ما خلونا”، بعد أن حولوا صدمة الطائف والتقاء اللبنانيين على حل ينهي الحرب الأهلية الى عداء، ومن ثم الانتقام منهم لدى وصولهم الى السلطة وممارسة جنونهم السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي بهدف رمي اللبنانيين في جهنم، وفقاً لشعار “العهد القوي”.

يذكر اللبنانيون نشوء الحالة العونية التي جمعت الطبقة الوسطى المسيحية التي تضررت من الميليشيات، والشباب من أبناء اللواء الخامس الذي يقوده عون وشكل منه حزب الــ 888 في معارك سوق الغرب خلال الحرب الأهلية، وكبار السن من العاملين في الجيش، وأيضاً من جمهور نسائي، ولاحقاً انتسب الى هذه الحالة مسيحيون لديهم امكانات مادية ليتسلقوا الى السلطة عندما عاد “المخلص” من باريس على دم رفيق الحريري بعد اتفاق مع السوريين لدعمه في الوصول الى الرئاسة وبناء تحالفات جديدة له مع “حزب الله” وأطراف الممانعة، بعدما كان يعتبر نفسه المناضل الأول ضد الاحتلال السوري، ولكن سرعان ما كشف عن وجهه في قدرته على البيع والشراء من أجل مصالحه الخاصة وكسب المنافع عن أي طريق كان وهو ما يدل على انتهازية واضحة.

على الرغم من انتهاء الحرب الأهلية وانفتاح اللبنانيين على بعضهم البعض، الا أن العونيين لا يزالون يعيشون في الماضي، وطالما أن ما يسمى “الحرس القديم” موجود وجبران قائد للتيار وعون يهلل ويكبر له، لا يمكن القول ان المنطق سيسود في التعامل، فالحالة العونية ولدت في المناطق المسيحية من جبل لبنان، تحت شعار رفض الميليشيات وايجاد أنصار لها من الطلاب باسم “أنصار الجيش” تم نشرهم على خطوط التماس ما بين المتحف والأشرفية، لخوض حرب الالغاء بعد فشل حرب التحرير، اذ راهن هؤلاء على عون عام ١٩٨٩ للانتقال الى حالة مختلفة، ودعمت هذا الاتجاه كتلة نسائية رافضة للحرب وتحكم الميليشيات بالشارع المسيحي، وقيادات وعناصر من الجيش كان دورهم قد خفت مع اندلاع الحرب الأهلية وأرادوا رد الاعتبار لأنفسهم.

لكن عون في العام 1989 هرب وخسر معركته مع الجيش السوري الذي اقتلعه من بعبدا، وفشل أيضاً في القضاء على حزب “القوات اللبنانية” وضرب شعبيته في الشارع المسيحي، على الرغم من تخوينه والقول بأنه سلم البلاد الى السوريين، علماً أن عناد عون للبقاء مع حكومته العسكرية في بعبدا بعد اتفاق الطائف هو ما تسبب باستجلاب الاحتلال السوري وهيمنته على لبنان، وما أدى الى انعزال العونيين والتعبئة عن طريق تسجيلات خطابات القائد الأعلى وتوزيعها سراً، وهو ما أصابهم بمرض الانفصال عن الواقع، الذي أوصلهم الى حد المرض وعدم القدرة على الشفاء منه ومن جنون “الجنرال” وهذا ما يظهر جلياً في الترويج لمؤمرات خيالية تحاك ضده وضد صهره من الأشرار الذين “ما خلوهم”.

لا شك في أن الحالة العونية حالة مرضية وحركة شعبوية الغاية منها حماية بعض المنتمين والمؤيدين ومقدسي الجنرال، وهم بالتالي حزب سياسي وإن كانت شعاراتهم ضد الأحزاب، وهو ما يدل على رد فعل تعصبي متزمت انتقامي الغائي للآخرين، فالحزبية ليست تهمة والفرق كبير بين أحزاب الحرب التي أنتجت ميليشيات فوضوية شعبوية والعونيون كانوا جزءاً منها وخاضوا غمارها ولعبوا بنار الحرب الأهلية متسترين بالمؤسسة العسكرية التي هي مؤسسة لكل لبنان وليست مؤسسة ميشال عون ولا مجموعة صغيرة انتمت في مرحلة سياسية معينة لتنفذ أجندات خارجية كي تقلب الوضع اللبناني رأساً على عقب.

تسلح ميشال عون بالمؤسسة العسكرية وحاول تجيير الدستور لمصلحته وخدمة أحلامه وتطلعاته الخاصة عندما رفض الطائف وكان يريد الوصول الى الرئاسة والقبض على مفاصل الدولة ليصبح ديكتاتورها، عبر ايصال شخصيات تقدسه وتقدم له الولاء، وطوال غيابه 15 سنة في منفاه الفرنسي لم يتغير ويراجع نفسه بل عاد ليكرر التجربة وهذه المرة باتفاق مع السوري لكي يؤمن له غطاء مسيحياً مارونياً وتشكيل تحالف أقلية الأقليات، وهو عمل ولا يزال بالتنسيق مع “حزب الله” لضرب الطائف والتوافق اللبناني تحت سقفه ويحاول تعطيل تنفيذه وتطبيق بنوده.

فالعونيون الذين يعتبرون أنفسهم غير حزبيين هم بالفعل حزب مصنف، حزب اللواء الخامس الذي تمرد على الدولة منذ أن أرسل الى القتال في عاليه وسوق الغرب، بحجة تطبيق القوانين واختزال المفهوم العام لدور المؤسسة العسكرية وهميمنة عون عليها، من خلال خوض هذه الحرب، هم حزب تلة 888 في سوق الغرب وبقايا ضباط الجيش الذي نفذوا أوامره وانصاعوا اليه عندما أعلن عنه رئيساً للحكومة العسكرية.

هم حزب أراد التغلغل والاستيلاء على كل شيء في الدولة لتعويض سنوات مظلومية النفي، لا يريد تقاسم الحصص والتعايش مع المكونات اللبنانية بحجة اعادة الحقوق المسيحية التي تم التفريط بها وشرذمتها بسبب مغامرات عون للاستيلاء على السلطة والسيطرة ليؤسس مرجعية مارونية خاصة به.

يدّعي العونيون أنهم سياديون يعملون من أجل لبنان، ولكن في تاريخهم ما يؤكد غير ذلك، ألم يتسببوا بتهجير المسيحيين واللبنانيين بسبب صراعهم مع “القوات” ودخول الجيش السوري الى لبنان؟ ألم يبعثروا المؤسسات؟ ألم يعطلوا تنفيذ كل المشاريع الحكومية منذ 2009 من الكهرباء وغيرها حتى أوصلونا الى جهنم بتحالفهم مع “حزب الله” وتوقيع اتفاق مار مخايل بتغطية ايرانية – سورية؟ ومن هنا يطرح السؤال عن الحالة العونية الهستيرية المؤلفة من مجموعة منتفعين ربطتهم المصالح المشتركة في نهب ما تبقى من الدولة التي كانت، والذين جاؤوا للسرقة تيمناً بالطبقة الفاسدة السابقة، وما ظهور الصهر الذي يدعي العفة في الترويج لشعار حقوق المسيحيين الا مثالاً على ذلك هو الغارق في الفساد والسرقات حتى أذنيه.

شارك المقال