القضاء يخلع ثوبه… مَن يفصل بين القضاة؟

أنطوني جعجع

يريدون قضاء مستقلاً كي تستقيمَ الدولة ويُلجمَ الهدرُ والفساد. وعندما يُطل قاض ٍمستقل نقابله بالتهميش والتهشيم والعزل وحتى التخوين. وعندما يُطل قاض ٍمسيس نشكو انعدامَ السلطة وقلةَ الحيلة وتراكمَ المحاصصات.

يريدون قضاء مستقلاً، كي ترممَ الخزائنُ المثقوبة، وتُستعاد الأموال المنهوبة، وحين يحين الحساب نتلطى خلف نفوذ هذا وسلاح ذاك، وحين تتراكم الإخبارات من هنا وهناك لا نجد لها مكاناً لائقاً في غير الأدراج والأقبية.

نعم تريدون قضاء ً مستقلاً لكن مستقلاً بكم، ينقضُّ على خصم أو مشاغب أو معترض، ويحيد عن موال أو مبايع أو متزلّم، قضاءً يُشهر ملفاته حين يشاء ويخفيها حين يشاء، قضاءً يستقوي على مغلوب مكسور الظهر، ويتراخى أمام غالب مدجج بالمال والسلاح.

نعم تريدون قضاءً يحرك مطرقته حين يأمره سيد أو عراب أو ولي أمر ونعمة، فلا يسمع دويَ انفجار يدمي ناس بيروت وأحجارها وتاريخها، ولا يرى جريمة ترتكب في وضح النهار وأمام العدسات، ولا قوافل تهريب تسرق أرزاق الناس، ولا صفقات تنهب أموال البلاد، ولا حملات تهدد مصالح الأمة ولا انتهاكات تهدد أمن الأمة.

هي من المرات الأولى التي ينقلب فيها القضاء على القضاء. والمرة الأولى التي يجاهر بعضهم بالاحتكام إلى سيدهم لا إلى شعبهم. والمرة الأولى التي يتعرى فيها قضاة من عباءاتهم وقسمهم وقيمهم ووجدانهم، لانقاذ زعيم أو حزب أو تيار أو عهد، وفي شكل علني وفي عين الشمس.

مشكلة هذه المدرسة السياسية أنها لا تعترف بأن ما يسقط على رأسها في الميادين والساحات والمجالس المغلقة والمفتوحة، ليس مطراً ولا رذاذاً. ومشكلتها أنها لا تنتفض لكرامتها متى تهان، ولا تصون سيادتها حين تنتهك، ولا تحترم دستورها حين يفصل، ولا تحاسب قضاءها حين يفسد، ولا تثني عليه حين يعدل.

نعم تريدون قضاء مستقلاً، وإن لم نصدق، فما لنا إلا تفقّد السجون والزنازين حيث يقبع سياسي عميل أو وزير فاسد أو قاتل مأجور، وتفقّد المجالس حيث لا يستوي في السلطة إلا من كان من أهل البيت وعظام الرقبة أو كان من أهل “تشبيح” لا يمتهن سواه أو من أهل وقاحة لا تعرف خجلاً أو ندامة.

والسؤال، كيف يكون القضاء مستقلاً، ما لم تكن الدولة مستقلة؟ وكيف يكون متجرداً ما لم يكن النظام متجرداً؟ وكيف يكون القاضي عادلاً وهو الجالس خلف منصته عبر تشكيلات غير عادلة؟ وكيف يكون الدستور حكما ما لم يحتكم الساسة إلى بنوده لا إلى شوارعهم أو طوائفهم؟

والسؤال الآخر، كيف يمكن لعهد يقترب من خاتمته بعد سنوات من القصور في كل المجالات، أن يبشرنا بدولة أفضل مما كان، في وقت بات هو الجاني، وبات الدستور جريحاً في حال الخطر أو حَكَماً لا صافرة له ولا مطرقة ولا بطاقة حمراء؟

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً