العشائر: بين الهمّ اللبناني والأصل العربي

علي الشاهين

منذ عقد ونيّف تتقدم شريحة العشائر العربية في لبنان رويداً رويداً نحو المشهد السياسي والإعلامي والثقافي في لبنان. فهذه الشريحة التي يقدر عددها بحوالي ٤٥٠ ألف نسمة بينهم 105 آلاف ناخب منتشرين في معظم المحافظات اللبنانية، تبدو وقد عقدت العزم على تعزيز دورها في المشاركة الوطنية في سياسات ومكتسبات وحقوق وواجبات عديدة.

ويرى متابعون أن دخول العشائر الندوة النيابية في انتخابات ٢٠١٨ ممثلة بالنائب محمد سليمان (عكار، كتلة المستقبل، الذي نفذ عهداً لـ”ربعه” فدخل أول جلسة نيابية للمجلس الحالي بالكوفية العربية) كان إيذاناً بأنها باتت تمتلك عناصر صلبة وعديدة لتعزيز مكانتها، ما يمكنها من إطلاق المواقف والرؤى تجاه مختلف المسائل الوطنية، بانفتاح على كثير من المكونات السياسية والطائفية بروح المسؤولية والعيش المشترك.

مناسبة الحديث عن العشائر في هذه الظروف الحرجة والمصيرية والتاريخية التي يمر بها لبنان خصوصاً والمنطقة العربية عموما (وهي منطقة تكوينها الاجتماعي يتشكل أكثر من نصفه من العشائر والكثير منها تربطها رابط قرابة وعصب مع عشائر لبنان) تصريحات وزير الخارجية المتنحي شربل وهبه مؤخراً التي تناول فيها دول الخليج والسعودية وشريحة البدو بأسلوب لا يتلاءم مع القواعد والأعراف الديبلوماسية والحضارية، ما شكل منصة جديدة لإطلالة العشائر على المسرح السياسي والإعلامي. وتجسد ذلك في إقبال لافت من قبل وجهاء ومشايخ ونخب من مختلف عشائر لبنان نحو دارة السفير السعودي وليد البخاري منددين ومستنكرين ما صدر عن الوزير وهبه معلنين مواقف الدعم والتعاطف مع المملكة.

العشائر والانخراط بالشأن العام

ننطلق من هنا لنطرح تساؤلات حول المسار الذي تسلكه العشائر، ربطا بالتطورات والتحولات الجارية في لبنان والمنطقة، تحت عنوان كبير: العشائر الى أين؟

الشيخ عارف شخيدم، رئيس بلدية برج العرب (قضاء عكار) الذي يصفه العارفون في مسائل العشائر بأنه من المخضرمين والناشطين العارفين، يقول: “على الصعيد السياسي والشأن العام والثقافي، أن هذه الشريحة اللبنانية وعلى الرغم من تعرضها للمظلومية من ذوي القربى في الداخل، إلا أنها قطعت أشواطاً نوعية على مستوى امتلاك شبابها وشاباتها درجات وشهادات علمية في مختلف التخصصات، ما أعطاها دفعاً للانخراط في تبوؤ مراكز وظيفية مميزة في القطاعين العام والخاص ناهيك عن إقامة مؤسسات وشركات في عدة مجالات اقتصادية وتجارية، ناهيك أيضاً عن بدء ولوجها العمل الحزبي والسياسي. وكان طبعاً دخول الصديق النائب محمد سليمان الندوة النيابية في الانتخابات الأخيرة الانطلاقة القوية للعشائر”.

ويعتبر شخيدم أن “تواجد وانتشار العشائر في معظم أقضية ومحافظات لبنان أعطاها ميزة الفاعلية والتأثير في مسائل وطنية عديدة، أبرزها الانتخابات النيابية حيث يسجل لها أهمية حيوية في نتائج هذه الانتخابات داخل الكتل النيابية المرشحة، ناهيك عن التماسك والعصبوية والصلات الروحية والقرابة في ما بينها ما يمنحها فعالية ظهرت في عدة محطات وملفات سياسية على مستوى الوطن ككل، حيث صار بإمكانها خلال ساعات أن تأخذ موقفاً موحداً نسبياً تجاه الكثير من الأحداث أو القضايا على ساحات الوطن”.

ويرى أحد وجهاء العشائر انه “بقدر ما نتزود بمتطلبات ومستلزمات الدور الناجح وبقيادات مؤهلة ومثقفة وواعية للعبة الإقليمية في المنطقة وتداعياتها على الوضع الداخلي في لبنان، وبقدر ما نحسن إدارة واستثمار وتوسيع حجمنا السياسي والجغرافي والثقافي والديمغرافي وفهمنا السليم للتركيبة اللبنانية… كل هذا يعطينا فرصة أكبر ومصداقية أقوى للمشاركة السياسية على مستوى الوطن”.

وطُرحت مؤخراً أفكار كثيرة في العديد من النقاشات داخل الديوانيات والمجالس، حول إعطاء فرصة ما للعشائر على مستوى الطائفة السنية، على قاعدة “فلنجرب” هذه الشريحة في القيادة والمسؤولية.

العلاقة بالسعودية والخليج

ويعتبر الشيخ شخيدم أن ما يجمع العشائر بالسعودية والخليج عموماً “علاقات مودة وما تقتضيه روابط ومكونات العروبة ووشائج حضارية عديدة”.

رفعت النمر، مختار بلدة شهابية الفاعور (البقاع) ورئيس الاتحاد العربي للتدريب التابع للجامعة العربية، يقول: “منذ قديم الزمان كانت المملكة العربية السعودية منبعاً وملاذاً للعشائر العربية، التي تعود جذورها بأغلبها الى الجزيرة العربية. ولا ننسى مواقف المملكة تاريخياً مع مختلف القضايا العربية والإسلامية لا سيما القضية الفلسطينية. كما للمملكة على بلدنا الحبيب لبنان الكثير من بصمات الخير والدعم المستمر وبشتى المجالات. أما بالنسبة للعشائر العربية في لبنان فكانت العلاقة مستمرة وجيدة وما زالت ولكن تطورت هذه العلاقة في عهد سعادة السفير وليد البخاري الذي تواصل مع العشائر وفتح باب السفارة في وجههم”.

الشيخ بدر عبيد من تجمع العشائر العربية في لبنان يقول: “على الرغم من أن الدولة السعودية تتعامل مع الدولة اللبنانية من خلال المؤسسات والهيئات الرسمية، ولا تتعامل مباشرة مع كيانات سياسية أو طائفية أو مجموعات أو أطراف كالعشائر، إنما نحن كعشائر تربطنا مع المملكة علاقات قربى وعصب ودم وعروبة”. يضيف: “نحن كعشائر ضمناً لن نكون إلا مع المشروع العربي بوجه مشروع الآخر الذي تأخذه السلطة الحاكمة وهو المشروع الفارسي”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً