العراق: صراع الدولة واللادولة

علي البغدادي

لم يكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ينهي عامه في رئاسة الحكومة، حتى بدأ يخوض صراعاً قد لا تميل فيه كفة الميزان إلى قوى الدولة التي يمثلها، مقابل قوى اللادولة المرتبطة بالميليشيات المدعومة من إيران والساعية لإنشاء كيان مواز للدولة العراقية.

كان القبض على قاسم مصلح المشرف على محور الحشد الشعبي الغربي الذي يشمل محافظتي الأنبار وكربلاء، فضلاً عن الحدود العراقية – السورية الأسبوع الماضي، لاتهامه بالتورط في عمليات اغتيال ناشطين مدنيين، وما جره ذلك من محاولة الحشد اقتحام المنطقة الخضراء التي تضم مقار حكومية وسفارات غربية إيذاناً بانفجار الخلاف الشيعي ـــ الشيعي، بعد سلسلة أحداث تشير إلى استهزاء الحشد الذي من المفترض أن يكون تابعاً لرئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة بالدولة ومحاولة إسقاطها واعتبارها “عميلة” للولايات المتحدة من خلال تصريحات بعض قادته.

وتشير الأحداث التي جرت إلى ملامح انقسام بين القوى الأمنية التي تمثل الدولة وبين الحشد الذي يضم فصائل وميليشيات مسلحة قامت بتصرف أقرب ما يكون إلى العصيان العسكري، على إجراءات الدولة وترويع السكان باستخدام سلاح الدولة يعيد إلى الأذهان أجواء الانقلابات العسكرية بلا بيان رقم واحد.

ويظهر توجه الكاظمي لاعتقال المصلح وقيادات ميليشيوية نافذة الرغبة العارمة بتقوية مفهوم الدولة والحد من فوضى السلاح ومطاردة المتورطين بعمليات قتل المتظاهرين، إلى جانب رغبة الإدارة الأميركية بدعم المؤسسات العراقية والقوات المسلحة في رسالة واضحة لإيران بأهمية النأي بالنفس عن إضعاف الدولة في العراق على حساب الفصائل المسلحة المدعومة منها.

وباتت أصابع الاتهام توجه بشكل علني لقيادات في الحشد بالوقوف وراء عمليات الاغتيال المنظمة تجاه الناشطين، خاصة أن الميليشيات تتستر بأعمالها خلف فتوى المرجعية الشيعية العليا بالجهاد الكفائي، رغم أن المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني دعا في فتواه إلى سد النقص في القوات الامنية كالجيش والشرطة عقب دخول داعش في 2014 ولم يذكر تأسس الحشد الشعبي الذي لا تطبق الكثير من فصائله اوامر المرجعية في النجف كونها تخضع للولي الفقيه في إبران علي الخامنئي.

وبدأت تنمو في الأوساط الشعبية مطالب بحملة منظمة للضغط على المرجعية الشيعية لنزع الشرعية عن ميليشيات انخرطت ضمن الحشد الشعبي وحازت على امتيازات ومناصب في مؤسسات الدولة، بعدما التفت شخصيات سياسية مهمة على الفتوى لشرعنة الميليشيات وتأمين غطاء لها تحت قانون هيئة الحشد الشعبي لتكون تابعة للمنظومة الأمنية وتأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة الذي أثبتت الوقائع أكثر من مرة وآخرها عملية اعتقال قائد لواء الطفوف قاسم مصلح عدم سيطرته على الحشد الشعبي.

ومع أن عناصر اللادولة تسعى لإظهار قوتها وسطوتها وسلاحها عبر استراتيجية إثارة الرعب والاستقواء بالسلاح، إلا أن الواقع يشير إلى أن ‏ما يجري داخل الفصائل يظهر بوضوح عجز فيلق القدس عن ضبط تلك الميليشيات، ما يوحي بمزيد التفكك بفعل غياب ضوابط العلاقة بين طموحاتها، خصوصاً أن الصعود الكبير لقوة الفصائل المسلحة سياسياً واقتصادياً جعل منها قوة لا تستطيع أن تنسجم مع هيكل النظام السياسي.

ويتطلب ترسيخ مبدأ الدولة أمام اللادولة إعادة صياغة مفهوم الشراكة بين مكونات المجتمع العراقي وقطع الطريق أمام من يحاول تقويض مفهوم الدولة ويعمل على تغييب المؤسسات الشرعية لصالح المؤسسات الموازية إلى جانب السعي الجاد لتقوية القوات الأمنية وتأمين مزيد من السيطرة على بؤر التمرد والحد من فوضى السلاح.

ويرى مراقبون أن الحشد الشعبي وما يضمه من فصائل تنتمي إلى مفهوم اللادولة حازت على “كاريزما مقدسة وحصانة وهمية”، تقف الدولة والقانون عند حدودها خشية من اندلاع صراع مسلح يعمق انقسام القوات الأمنية بشكل يمهد لتفتت العراق وسيادة عناصر اللادولة التي يروج بعض كتابها وإعلامييها بضرورة تطبيق نموذج الحوثي في العراق والسيطرة على مقاليد الأمور بعد التخلص من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والرئيس العراقي برهم صالح اللذين يتهمان بموالاة الولايات المتحدة.

ومع أن الكاظمي نجح إلى حد ما في المواجهة الأخيرة مع الفصائل المسلحة بفرض إرادته عليها واجبارها على الانسحاب أمام القوات المسلحة وإصراره على موقفه رغم إخفافه بإداره المعركة إعلامياً، خاصة أن المنصات والقنوات الإعلامية للفصائل روجت للانتصار على الدولة، إلا أن استمرار النهج المهادن لن يجدي نفعاً معها طالما أنها مستمرة بكسب جولات المواجهة مع الدولة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً