الانتخابات النيابية المبكرة حل للأزمة؟

محمد شمس الدين

يشهد لبنان اليوم انقساماً عمودياً في التمثيل النيابي، ولا يستطيع أي محور من المحورين المشتبكين أن يوصل مرشحه الى رئاسة الجمهورية، وذلك بسبب ما أفضت إليه الانتخابات النيابية في أيار الماضي، من نتائج لا تسمح لأي فريق بأن يحكم من دون التوافق مع الفريق الآخر. لذلك، بدأت تخرج إلى العلن همسات تتحدث عن انتخابات نيابية مبكرة، كي يصل المجلس النيابي إلى أكثرية واضحة، وشبّه البعض الأمر بما حصل في الكيان الصهيوني، ولكن هل يمكن دستورياً إجراء انتخابات نيابية مبكرة؟ وفي حال حصلت هل ستغيّر في المعادلة؟

أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية حسين عبيد أوضح في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أنه “على الرغم من تشابه الظروف مع كيان العدو إلا أن هناك اختلافات أساسية، فهناك النظام الانتخابي هو دائرة واحدة مع اعتماد النسبية، أما في لبنان فهناك نسبية ولكن 15 دائرة انتخابية. وكذلك هناك رئيس الجمهورية يدعو إلى انتخابات نيابية، أما في لبنان فالمجلس النيابي هو الذي يمكنه تقصير عمله وفرض انتخابات نيابية، عبر طرح مشروع قانون يحتاج إلى تصويت الغالبية المطلقة، أي النصف زائد واحد، 65 نائباً يجب أن يصوّتوا مع تقصير ولاية المجلس وإجراء انتخابات جديدة، وطبعاً هذا الأمر بحاجة إلى أسباب موجبة ومقنعة لطرح المشروع، تحديداً أن الانتخابات لم يمض عليها أكثر من 6 أشهر”.

واستبعد عبيد هذا السيناريو لأسباب عدة، قائلاً: “حتى لو حصلت انتخابات نيابية اليوم فالنتيجة ستكون نفسها، إلا في حال قرر الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل خوضها، لأن ذلك من شأنه تغيير المعادلات في أكثر الدوائر، وطبعاً ستتغير التحالفات. إضافة إلى ذلك، الانتخابات تكلف الدولة، وفي لبنان نحن بحاجة إلى التحضير لها على الأقل قبل سنة، فالتحضير اللوجستي يأخذ وقتاً، وكون مراكز الاقتراع في لبنان هي عادة المدارس، لا يمكن إجراء الانتخابات، إلا بين شهر أيار وآخر شهر أيلول، ولهذه الأسباب لا أرى إمكان الاتجاه الى هذا السيناريو”.

وتختلف الآراء بين الأفرقاء السياسين حول انتخابات نيابية مبكرة، بحيث يعتبر البعض أن غياب مكون أساس كتيار “المستقبل” والرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي هو خطيئة كبرى، وأن هذا الغياب هو سبب رئيس لما يحصل من تخبط في الاستحقاقات الدستورية الأساسية، ولا سيما أن “المستقبل” يؤثر في غالبية الدوائر الانتخابية، والأفضل إجراء انتخابات يعود فيها إلى المشهد السياسي، كي ينتظم عمل الدولة، فلبنان لا يمكن أن يدار بغياب أحد مكوناته الأساسية، والتخبط سيبقى سيد الموقف، حتى لو حصلت تسوية معينة، إلا إذا لعب الرئيس الحريري من خلف الأضواء، لتسيير أمور الدولة.

أما البعض الآخر فيرى أن المشكلة هي في قانون الانتخاب، الذي فصّل على قياس “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وتسبب بتمثيل غير عادل في المجلس النيابي، حيث تغيب شخصيات لها تمثيل شعبي كبير بسبب هذا القانون. ويجب قبل الحديث عن انتخابات نيابية مبكرة البدء بمناقشة قانون يؤمن عدالة التمثيل، لا أن يكون على قياس أحد، ويأخذ فيه كل حزب أو تيار سياسي حجمه الحقيقي.

وعلى الرغم من الاعتراض والامتعاض، هناك إجماع بين الأفرقاء السياسيين على استبعاد سيناريو الانتخابات النيابية المبكرة، لأن إجراءها غير ممكن قبل الصيف، فهل يبقى البلد معطلاً حتى ذلك الوقت؟ إضافة إلى ذلك الجميع متفق تقريباً على أن هناك انتظاراً لإشارة خارجية لحل الأزمة السياسية اليوم، وهذا الأمر بدا واضحاً في كلام المرجعيات السياسية والدينية، وخصوصاً البطريركية المارونية، التي دعت إلى مؤتمر دولي من أجل لبنان.

المصيبة الكبرى في هذا البلد أن الأطراف السياسية فيه، عندما تريد تحقيق مكاسب لها، تستعين بصلتها في الخارج، وهذا الأمر ليس جديداً، بل موجود منذ تأسيس الكيان اللبناني، بحيث استعان حينها البعض بالبريطانيين والبعض الآخر بالفرنسيين، وقد تغيّرت الدول الاقليمية عبر السنين إلا أن الاستعانة اللبنانية بالخارج أصبحت نهجاً متبعاً عند الأطراف السياسية، والبلد يعيش اليوم المشكلة نفسها، فالجميع بانتظار اتفاق الخارج، لحل الأزمة في الداخل، بدل أن يكون الحل لمرة واحدة لبنانياً، ولذلك فكرة الانتخابات النيابية المبكرة لا يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية، بل من شبه المستحيل حصولها.

شارك المقال