حتى لو اتّحد السياديون!

صلاح تقي الدين

للمرة السادسة على التوالي، يستخدم فريق الممانعة بقيادة “حزب الله” سياسة الورقة البيضاء في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ثم تعطيل النصاب لمنع انتخاب رئيس جديد، في حين أن الفريق السيادي لا يزال يشتت أصواته بين شعار من هنا وأسماء هابطة بالمظلة من هناك، وغير راغب في الالتقاء مع زملائه “السياديين” حول اسم النائب ميشال معوض كمرشح إلى المنصب الأول في الجمهورية اللبنانية.

لكن اللافت الذي جرى في جلسة الأمس كان ورود اسم رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية على ورقة انتخاب وحيدة، في حين أن الفريق السيادي “انتزع” بضعة أصوات من المرشح معوض لصالح الدكتور عصام خليفة والوزير السابق زياد بارود.

بالاجمال، حصل معوض على 43 صوتاً مقابل 46 ورقة بيضاء، ولو جمعت الأصوات الباقية للتغييريين والمستقلين وكتلة “الاعتدال الوطني” والنواب المتغيّبين عن الجلسة بعذر وهم بمعظمهم من مؤيدي معوض، لوصل الأخير إلى عتبة 63 صوتاً، وهو رقم لا يكفيه لوصوله إلى بعبدا حتى لو تأمن نصاب الدورة الثانية.

في المقابل، حتى لو استطاع “حزب الله” إقناع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بالسير بفرنجية كمرشح لفريقه، لما تمكن من تجاوز عقبة الدورة الثانية إذ أن السلاح الذي يستخدمه هذا الفريق في تعطيل النصاب قد يستخدمه الفريق السيادي في المقابل لمنع وصول فرنجية إلى بعبدا.

في الحال هذه ستظل مسرحية انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس فولكلورية طالما أن التوافق لم يتحقق، وفي هذا الاطار تشدد مصادر الرئيس نبيه بري على أنه سيستمر في الدعوة إلى عقد جلسات انتخاب رئيس جديد والتي يدرك تماماً أنها لن تصل إلى غايتها بانتظار الوصول إلى توافق على اسم شخصية “غير استفزازية” تستطيع أن “تجمع ولا تفرّق”.

والسجالات القائمة على غير مستوى تفجّرت بالتسريب المتعمد الذي نقل عن باسيل الموجود في العاصمة الفرنسية محاولاً “استكشاف” المرحلة الرئاسية المقبلة ومدى “حظوظه” فيها، والذي هاجم فيه فرنجية والرئيس بري على قاعدة “عصفورين بحجر” متهماً الأول بالفساد والافتقار إلى ما يسمّيه “القاعدة الشعبية”، وموجهاً سهامه إلى الثاني باعتبار انتخاب فرنجية يعني العودة إلى “الترويكا” التي كانت متحكمة بالبلد أثناء عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي.

لكن الرد “البليغ” للرئيس بري الذي اعتبر أن تلك الترويكا كانت “نافعة” للبلاد بعكس الترويكا “عون – باسيل – جريصاتي” التي خرّبت وأفقرت الدولة والناس، يعيد السؤال البديهي حول كيفية التوافق بين مختلف القوى السياسية حول اسم مرشح للرئاسة في الوقت الذي يطالعنا فيه باسيل باتهامات “غوغائية” تجعل من هذا التوافق مستحيلاً ما لم يستثنَ منه بقرار يتخذه “حزب الله” علناً وبصراحة؟

من “حسن” حظ اللبنانيين أنهم “ابتلوا” بشخصية مثل باسيل الذي لم يترك للصلح “مطرح” مع أي فريق سياسي على الأراضي اللبنانية كافة، باستثناء الحزب الذي يعتبر عن خطأ أنه بحاجة إلى غطاء “مسيحي” أو على الأقل هذا ما يزعمه، في حين يثبت التاريخ والوقائع التي شهدها لبنان منذ اتفاق مار مخايل في العام 2006، أن الحزب لم يكن بحاجة إلى أي غطاء لتبرير سطوته على القرار اللبناني، وأن “لحاف” باسيل في الواقع كان لإفادة الأخير وليس العكس.

وإذ تنتشر تسريبات أو معلومات حول امتعاض كبير يشعر به الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله من باسيل بعد اللقاء الأخير الذي جمعهما خصوصاً لناحية رفضه القبول بخيار السيد الوقوف خلف فرنجية في معركة الرئاسة، فإن القرار بعزل باسيل لا يمكن أن يتخذه إلا “حزب الله” وقد يصبح بعدها للتوافق مجال أكان ذلك على اسم فرنجية أو أي اسم غيره.

وفي جميع الأحوال، فإن اتحاد الفريق السيادي ووقوفه خلف معوض لن يوصل الأخير إلى بعبدا كما أن قبول باسيل بفرنجية لن يوصل الزعيم الشمالي إلى بعبدا، ولن يكون هناك جدوى من جلسات انتخابية طالما أن التوافق غائب، ولعل هذا ما أوحى به النائب اللواء أشرف ريفي عندما أعلن أنه سيقترح تأجيل الجلسات إلى حين “هبوط الوحي” لانتخاب رئيس.

لا أحد قادر على إلغاء أحد في هذا البلد، وهذه مسألة محسومة ومفروغ منها والتاريخ شاهد على ذلك، لكن “القصاص” متاح كما يقول المثل “آخر الدواء الكي” وإذا كانت عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية متوقفة على التوافق الذي لا يعارضه إلا باسيل، فلعل الأجدى هو استخدام هذه السياسة معه إلى حين تأمين ملء الشغور برئيس جديد يكون “بي الكل” فعلاً وقادراً على التواصل حتى مع رئيس “التيار الوطني الحر”.

ألم يحن الوقت لكي يرتاح البلد؟

شارك المقال