الانتخابات الرئاسية الإيرانية: تغييرات هيكلية وإعادة توجيه للاستراتيجية العامة

حسناء بو حرفوش

 

نشر موقع “ميدل إيست أي” البريطاني مقالاً سطّر الدور الحاسم للانتخابات الإيرانية الجارية والتي تعتبر “الأهمّ، إذ تستعد الجمهورية الإسلامية لتغييرات هيكلية وثقافية (…) في وقت يسود إجماع عام حول الفوز المرتقب لمؤيد “محافظ” أو متشدد، على غرار ما يتمناه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي”. وأشار إلى رغبة الشعب الإيراني بحكومة تركز على التحديات الحياتية الداخلية وتحديداً على الإصلاح الاقتصادي.

 

ووفقاً للمقال، “من شأن النتيجة الفورية والأداء اللاحق للحكومة الجديدة عكس الإرادة الإيرانية للتغلب على 24 عامًا من التقلبات السياسية في إيران، والتي بدأت منذ فوز الإصلاحي محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية في العام 1997. وقد ترسخت هذه الفرضية مع قيام مجلس صيانة الدستور باستبعاد المرشحين الرئيسيين، بمن فيهم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد (…) ولا تنحصر الانتخابات المرتقبة الشهر المقبل بالمعارضة بين المنافسين بقدر ما تتعلق بإعادة التوجيه الاستراتيجي العام للبلاد. فالرئيس الإيراني القادم لن يسعى فقط لجعل البيروقراطية الحكومية أكثر كفاءة، بل سيتبنى على الأرجح سياسة اجتماعية واقتصادية محلية تهدف إلى خلق إجماع وطني جديد ودائم حول القضايا الرئيسية، كالعدالة الاجتماعية وشروط المشاركة السياسية. أما في ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، قد يحمل الرئيس الإيراني الجديد بعض المفاجآت، خصوصاً في مجال العلاقات الإيرانية-الأميركية.

 

مسألة استراتيجية وسياسية

 

ومن السمات المميزة للسباق الرئاسي هذا العام، العدد الهائل للمرشحين المحتملين الذين انضموا للسباق في البداية. لكنه يتزامن مع فراغ خطير يتجلى بالتقنين المفاجئ للبنزين والارتفاع الكبير بالأسعار منذ كانون الأول 2019، وما تلاه من أعمال شغب واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد. وتثير العقوبات إلى جانب سوء الإدارة الاقتصادية مخاوف من إظهار الناخبين لامبالاة في الانتخابات، الأمر الذي سيشكّل سابقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية (…) وأدت تنحية الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، إلى زيادة التكهنات حول هندسة الانتخابات بحيث تغيب عنها المنافسة وبالتالي تعبّد الطريق بشكل واضح للمرشح إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية (…) وليست هذه الانتخابات مسألة شخصية بقدر ما هي استراتيجية وسياسية. وسيتعين على المرشح الفائز إقناع قادة البلاد وعامة الناس بأنه يمتلك الوسائل اللازمة لمواجهة التحديات. ومن جهته، دعا خامنئي مرارًا وتكرارًا لحكومة “شابة” و موالية لـ”حزب الله” لتولي مقاليد البلاد.

 

(…) وعملاً بما تنص عليه توجيهات المرشد الأعلى، سيتعين على الحكومة المقبلة تولي المهمة الصعبة المتمثلة بالتخفيف من المشاكل الهيكلية للبلاد، بهدف إحداث تغيير في إدارة البلاد (…) ويكمن التحدي الرئيسي للحكومة المقبلة في هذا الصدد بإعادة إطلاق الاتفاق النووي، في الوقت الذي تستمر فيه المحادثات في فيينا، حيث تتفاوض الولايات المتحدة وإيران بشكل غير مباشر من خلال روسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. وتحرص إدارة روحاني المنتهية ولايتها، على ما يبدو على إبرام اتفاق قبل مغادرة الساحة رسمياً في شهر آب، وذلك ببساطة لضمان إرثها بصفتها الحكومة التي تفاوضت منذ البداية على الاتفاق النووي وتمسكت به بالرغم من كل التحديات بعد الانسحاب الأحادي للولايات المتحدة في أيار 2018، قبل إعادة التفاوض أخيرًا.

 

ومع ذلك، من المرجح أن تتخذ الحكومة الإيرانية المقبلة موقفاً سلبياً تجاه إعادة إطلاق الاتفاقية النووية في حال لم تلبِّ توقعات إيران، خصوصاً في ما يتعلق بتأكيد رفع العقوبات الرئيسية على قطاعات الطاقة والموارد المالية للبلاد. وقد تصل إيران إلى قناعة أنها تستطيع الاستمرار حتى بدون اتفاق نووي شامل وتختار الترتيبات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى العالمية. وإلى جانب الاتفاق النووي، تشكل استعادة معادلة الردع مع إسرائيل أحد التحديات الملحة للحكومة المقبلة، وذلك بعد هجوم نسب لإسرائيل ضد موقع تخصيب اليورانيوم في نطنز واغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده في تشرين الثاني 2020.

 

وقد يستهل الرد على إسرائيل في الداخل السوري، حيث تسعى إيران إلى تعزيز مكاسبها بعد الحرب بينما تعمل إسرائيل بشكل متزايد لتقليص وجود الجمهورية الإسلامية في بلاد الشام. وستسعى إيران على نطاق أوسع أيضًا في ما يتعلق بالمعادلة الرادعة مع الولايات المتحدة بعد اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في كانون الثاني 2020. وقد تساعد إعادة التوازن هذه في وضع العلاقات الإيرانية الأميركية على أسس أكثر استقراراً في ظل تغير ميزان القوى في منطقة غرب آسيا (…) في النهاية، وحدها حكومة منسجمة بشكل تام مع تأسيس الدولة والحرس الثوري الإسلامي قادرة على تحقيق مثل هذه الإنجازات في السياسة الخارجية. وبوجود حكومة شبيهة، سيواجه العالم الخارجي في السنوات القادمة مؤسسة إيرانية أكثر وحدة وثقة وتحظى بدعم شعبي أكبر. فبعد 24 عاماً من عدم الاستقرار السياسي المحكوم بالصراع بين الفصائل والصراعات المصطنعة أحياناً، من المرجح أن يتفاعل الرأي العام الإيراني بشكل إيجابي مع الحكومة التي تعطي الأولوية للإصلاح الاقتصادي الحقيقي داخل البلاد وللدفاع عن هيبتها في الخارج”.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً