“المثالثة” سلطة للتعمية والحقيقة تكريس الاحتلال

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا شك أن اعلان لبنان دولة فاشلة بفعل سياسات تعطيل الدستور وانتشار الفساد وانعدام الإرادة المحلية في حلحلة الأمور بعيداً عن حسابات الخارج، والانهيار الحاصل مالياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً، حيث لا قدرة لأحد على التحكم بنار جهنم الموعودة من أعلى الهرم، والتي تـصلي اللبنانيين وتزهق أرواحهم وتقضي على كل آمالهم بوطن يستطيعون العيش فيه، سيؤدي إلى سلوك طريق رسمه “حزب الله” بعناية منذ أحداث أيار 2007، وهو المثالثة في الحكم بين السنة والشيعة والمسيحيين ولولا قليل من الخجل لكان الدستور عدل في اتفاق الدوحة، إلا أن سلوكيات الثنائي الشيعي كانت واضحة في السعي نحو تكريس هذا الأمر واقعياً، مستقوياً بالسلاح تارة وتارة بما سمي “الميثاقية”، والتي كانت تعطل عمل الحكومات وتثير النقاشات والخلافات لتبقي على أجواء الاستنفار وتهدد بالعودة إلى الحرب الأهلية.

لقد كان البطريرك الماروني بشارة الراعي، محقاً في تحذيره من أن المثالثة خطوة لهدم الكيان اللبناني، ويعني أن إلغاء المناصفة سيكون كارثة للمسيحيين، وهنا يطرح السؤال أليس تعطيل تشكيل حكومة مقبولة من المجتمع الدولي تضم اختصاصيين تنقذ البلاد من فراغ قد يأخذنا إلى خيارات مثل المثالثة التي حتى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كاد أن يقع في فخ طرحها كحل.

وعلى أي حال لا يمكن الركون في أي خطوة مقبلة إلا إلى الدستور واحترام أصوله ومهما تعالى البعض على الطائف الذي نص على المناصفة فالتمسك به هو ما سيضع حداً لخزعبلات من هنا وهناك قيلت سابقاً بالمباشر عندما أعلن “حزب الله” على لسان أحد نوابه إن كان “الطائف لا يعني المثالثة، فإنّه بالتأكيد لا يعني الثنائية”، وتتردد اليوم من خلال الإفصاح عنها مباشرة أو ممارسة السلوكيات التي تكرسها فعلياً.

قاطيشا: حزب الله تجاوز المثالثة

رغم هذا فإن الآراء تجمع على أن “حزب الله” يحتل البلد ويسيّر الجمهورية كما يريد والأوضاع الحالية لا تسمح بأي طرح اليوم يصب الزيت على النار، وفي هذا الإطار يقول عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبي قاطيشا لـــ “لبنان الكبير” أن “عقدة تشكيل حكومة لا علاقة لها بطرح المثالثة، بل بالمحاصصة في السلطة التنفيذية، فالمثالثة تحتاج إلى تعديل دستوري الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في أجواء مختلفة عن الأجواء التي نعيشها اليوم، وفي حالة من الاستقرار”.

وبرأيه أن “حزب الله تجاوز المثالثة فلديه امبراطورية يسيطر عليها من باكستان حتى لبنان، وهو يعمل على مشروع أوسع وأكبر، وتعطيل تشكيل الحكومة يخدم مشروعه على المستوى السياسي والمالي طبعاً، هو يحكم لبنان فعلياً ويسيطر على مقدراته، وهو متحمس لإبقاء الفوضى السائدة لأنها عامل مساعد له”.

وبتقديره أن وزيراً زائداً في الحكومة أو ناقصاً في الحكومة أو تعيين مدير عام لا يغير من مشروعه الاستراتيجي، ففي السابق تخلى عن وزير شيعي لصالح الرئيس نجيب ميقاتي، ربما حلفاؤه يريدون المثالثة أكثر منه، لكن للحزب استراتيجية أوسع”.

لا يعتقد قاطيشا أيضاً أن أحداً يجرؤ على طرح تعديل دستوري في هذه الوقت وأن الحزب لم يكن ليجرؤ على الحديث عن المثالثة لولا وجود التحالف الجهنمي الذي أقامه مع التيار الوطني الحر، وعلى أي حال لا يمكن المس بالمناصفة والبطريرك حذر من المثالثة كونها تعكس ما يتوجس منه الناس، لكن أنا عند وجهة نظري “حزب الله” يسيطر على كل شيء في لبنان المرفأ والمطار والحدود ويترك للبقية التنازع على الحصص الصغيرة”.

العبد الله: نرفض صيغ التقسيم الطائفي

من جهته، ينتقد عضو اللقاء الديموقراطي النائب بلال العبدالله أي طرح ينقلنا “من نظام طائفي إلى نظام طائفي آخر”، معتبراً في حديثه لنا أن “اللبنانيين ليس لديهم أي خيار مناسب للتعايش إلا بقيام دولة علمانية وفصل الدين عن الدولة واعتماد نظام انتخابي خارج القيد الطائفي ولو كان هناك ضرورة مؤقتة لإبقاء مجلس الشيوخ كما نص الطائف”.

ويشدد على وجوب الاتجاه “نحو المطالبة بدولة علمانية وعدم القبول بأي طرح يعيدنا إلى الوراء، من مناصفة إلى مثالثة ومن مثالثة إلى مرابعة، تقسيم للطوائف والمذاهب بدل اعتماد نظام المواطنة ورفض أي صيغ طائفية استنزفت وقضت على البلد وتحمي الفساد وتعمم الفوضى في لبنان”.

ويؤكد أن “الوقت غير مناسب لأي كلام عن أي تعديل دستوري في ظل الانهيار الكامل اقتصادياً واجتماعياً، فهل يمكن الحديث اليوم إلا عن جوع الناس وقلقها، اليوم هناك صعوبة كبيرة في اللجوء إلى تعديل الدستور لأنها مسألة صعبة وخطرة وحساسة بكل المعايير، لا أرى أن هناك إمكانية لتعديل دستوري إلا إذا كان المطلوب انهيار البلد كلياً وإعادة تأسيسه من جديد فهذا أمر آخر، لكن ضمن هذا النظام والحديث عن الانتقال من مناصفة لمثالية أقول إن الأمر ليس سهلا ولا آلية له”.

سلامة: نعيش مثالثة نحاربها

ماذا يقول الناشطون في الثورة عن المثالثة؟، رئيس جبهة السيادة اللبنانية بهجت أنطوان سلامة يجيبنا بالقول: “في ظل الفراغ الحكومي أو غير الفراغ الحكومي فإننا نعيش حالة مثالثة نحاربها، ولا حل لذلك ولكل الآفات السياسية الموجودة سوى بتطبيق الدستور الذي لم يطبق، وقد مات البطريرك مار نصر الله بطرس صفير وهو يطالب بتطبيقه ومن ثم نقده، لأن الواقع يبين انه لم يطبق بنسبة 70 أو 75 بالمئة، لو كان الدستور اليوم هو رأس القوانين ما رأينا أحداً يستأثر بالسلطة ولا بالسلطة البديلة ولا بالسلطة الخفية ولا كنا نعيش في ظل احتلال”.

وعن مسالة تعقيد تشكيل الحكومة يقول: “ازمة مرحلية عندما يناسب المحتل الإيراني أن يكون هناك حكومة تشكل الحكومة بسرعة وعندما لا يناسبه الأمر لا تشكل، وعلى الجهتين ستكون الحكومة حكومة “حزب الله” وبدون حكومة سيكون “حزب الله” هو الحاكم ومرجعيته المحتل الإيراني”.

 

وعن العودة إلى تطبيق الدستور ومبادرة البطريرك التي يؤكد فيها على استعادة الصيغة المسلوبة أي صيغة العيش المشترك وتطبيق الدستور والقوانين واعتماد الحياد والالتزام باتفاقية الهدنة. كل هذه الأمور موجودة في جيبنا وهي تدعم تطبيق الدستور لا الخروج عنه، سواء كان هناك حكومة أو لا، استمر الفراغ في السلطة التنفيذية أم جرى ملؤه، بحكومة أمر واقع أم مستقلين، هذه الأمور هي التي تبقينا تحت مظلة الدستور الحاكم الوحيد والحل الوحيد عاجلاً أم آجلاً لأزماتنا، ولا يجوز بعد ما نشهده اليوم أن نتلهى بالقشور، لقد ذهب 200 قتيل ضحية انفجار المرفأ وحتى الآن يتم التعاطي مع هذه الجريمة وكأنها حصلت نتيجة حادث سير، والثورة يجب أن تحصل في النفوس والتوعية على الحل الفعلي، لأن تسوية الرئاسة عام 2016 أطاحت الجمهورية اللبنانية وأنا في ذلك الحين قلت انتهى لبنان، الآن كيف يمكن أن نعوض خسائرنا بعد إصابتنا بالمرض إلا عبر التوعية والتصويب ومعرفة أن الاستحقاقات الآنية حكومة أم انتخابات في ظل الاحتلال لن تؤدي إلا إلى ما نحن عليه وفيه حالياً”.

ويعتبر سلامة أن “لا حل مسيحياً لمعضلة المسيحيين، ولا حل سنياً لمعضلة السنة، ولا حل شيعياً لمعضلة الشيعة، هناك حل وطني شامل يحل مشكلات الطوائف والشرائح اللبنانية، وكل ما يدعيه اليوم فريق من المسيحيين وخاصة فريق آخر من بعد تفجير المرفأ طرح الفيدرالية والاعتكاف والتقسيم لا يمكن حل كل هذه الطروحات إلا بتطبيق الدستور ومبادرة البطريرك الراعي ودعم الفاتيكان تسير بعكس رياح الدعوات للفيدرالية، فهي تصب باتجاه الوحدة وحماية التعددية والإبقاء على التنوع وتطبيق الدستور”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً