لو ناديتَ حياً…

صلاح تقي الدين

يختلف المراقبون السياسيون حول ما إذا كان الشغور في الموقع الرئاسي أفضل من أن يأتي الممسك بقرار البلد “حزب الله” برئيس يشبه الرئيس السابق ميشال عون، أو ما إذا كان انتخاب رئيس أياً كان أفضل لاخراج البلد من حالة الانهيار التي يعيشها، لكنهم في الحالتين يتفقون على أن قرار انهاء الشغور بيد “حزب الله” دون سواه.

والسبب الواضح لتلكؤ “حزب الله” في الاعلان صراحة عن اسم مرشحه الرئاسي المفضل رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، هو أنه لا زال يحاول الوقوف على خاطر حليفه “المدلّع” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على الرغم من التسريبات الأخيرة التي “زعمت” بأن العلاقة بين “ميرنا الشالوحي” و”حارة حريك” ليست على ما يرام بسبب مواقف باسيل “الحارقة” لكل مرشح لا يرضيه وفي مقدمهم فرنجية.

لكن الدعوات المتصاعدة الى الحزب والتي تناشده وضع حد لـ “الدلع” الباسيلي وآخرها كانت المقابلة الصريحة لنائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي يبدو أنها لم تحقق غايتها على قاعدة “لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً”، وهذا ما يوحي بأن الشغور في الموقع الأول للجمهورية اللبنانية سيستمر طالما أن باسيل يتصرّف على أنه دون سواه من يمسك بزمام الأمور ولن يكون هناك رئيس ما لم يضع موافقته على الاسم الذي يرغب في أن يكون اسمه لا غير.

وتعتبر مصادر “سيادية” أن باستطاعة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن يقضي على أحلام باسيل ويلف حول عنقه حبل “المشنقة” من خلال المبادرة إلى الالتقاء مع فرنجية للبحث في الملف الرئاسي، وبالتالي تبني ترشيحه وتجيير أصوات كتلته النيابية لصالح انتخابه كما فعل في العام 2016 عندما أبرم “اتفاق معراب” مع عون ما فتح له الطريق للوصول إلى بعبدا.

لكن المصادر عينها تستطرد بالقول إن “الحسابات المارونية” على المحك، وهي التي تتحكم بموقف جعجع كما بمواقف باسيل وفرنجية، وبالتالي من الصعب على رئيس “القوات” أن يتبنى ترشيح رئيس “المردة” لكنه ليس بعيداً عن التوصل إلى تفاهم معه على تبني ترشيح شخصية مقبولة من كليهما، الا أن هذا الأمر ليس في حسابات فرنجية على الأقل خصوصاً إذا كانت هذه الشخصية مرشح “القوات” النائب ميشال معوض.

في المقابل، ترى مصادر مقربة من عين التينة أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يدعم وصول فرنجية إلى بعبدا في السر والعلن، يأمل في أن “يمون” الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله على باسيل لاقناعه بأهمية وصول فرنجية وما يمثله من استمرارية للخط الاستراتيجي الذي يجمعهما، لكنه غير مقتنع بأن باسيل سيرضخ لأي ضغوط من هذا القبيل من دون ثمن.

ويبرر باسيل رفضه المطلق للسير بفرنجية بأنه لن يقبل بوصول من يعتبره المساهم الأول لا بل المحرضّ الأول على إضعاف عهد عمه من خلال عرقلة مشاريعه الاصلاحية، ناهيك عن شروط باسيل المعروفة في الملف “الدسم” للتعيينات الادارية والمالية والأمنية التي رفضها فرنجية بعدما عرضها عليه موفدو “حزب الله” الذين كانوا يسعون إلى تقريب وجهات النظر بين حليفيهما المارونيين.

وتضيف المصادر “السيادية” أن “حزب الله” من دون شك يشعر بالحرج الكبير تجاه الشغور الرئاسي الذي تحمّله معظم القوى السياسية مسؤوليته بسبب مراعاته لباسيل، لكنه من دون أدنى شك لن يقدم على الزعم بأن “لا رئيس إلا الذي يرضى به” كما فعل مع عون في العام 2014 واستمر يعرقل الجلسات النيابية لانتخابه حتى تأمنت الظروف الخارجية والداخلية لايصاله إلى بعبدا، ذلك أن ميزان القوى في المجلس النيابي ليس واضحاً من ناحية الأكثرية وبالتالي ليس ممسكاً بقرار “الثلثين” لضمان الدورة الانتخابية الثانية، أضف إلى أن دعوة السيد نصر الله إلى “التوافق” على رئيس تنطلق على الأرجح من رغبته في عدم تحمّل مسؤولية “فرض” رئيس يكون استمراراً لنهج عون التدميري، على الرغم من أنه ضمناً متمسك بفرنجية دون سواه لغاية اليوم على الأقل، وسيعمل على إنضاج الظروف التي تسمح بوصوله.

وتقول المصادر إنه يجب الربط بين دعوة نصر الله إلى التوافق على رئيس، والدعوات التي تطالبه بوضع حد لـ “الدلع” الباسيلي وغير ذلك، اذ أن الدعوات المتكررة لبري الى عقد جلسات انتخاب ستظل “فولكلورية” ولن يصار إلى انتخاب رئيس بسبب سياسة “الورقة البيضاء” وغياب التوافق، وإفساحاً في المجال أمام كل الظروف التي تتيح لمرشح “الممانعة” فرنجية الفوز بالمنصب الأول.

لكن إلى أي حد يمكن للبلد أن يتحمل هذا الفراغ على المستوى التنفيذي بغياب رئيس للجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال؟ وهل يمكن الاستمرار في رهن مستقبل اللبنانيين إلى حين تحقق شروط باسيل أو على الأقل موافقته على وصول فلان أو علان إلى قصر بعبدأ؟

“لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً… ولكن لا حياة لمن تنادي” هو لسان حال اللبنانيين التواقين إلى الخروج من جهنم، ولا يبالون باسم الرئيس العتيد وهويته السياسية طالما أنه سيكون جسر العبور إلى الخلاص.

شارك المقال