انتخاب الرئيس… المبادرة داخلية والمسؤولية لبنانية

هيام طوق
هيام طوق

أهم ما يمكن تسجيله في الجلسات المتتالية لانتخاب رئيس الجمهورية، قرف اللبنانيين من مشاهدة هذه المسرحية الهزلية المملة كما واقتناع النواب ومسؤولي الأحزاب والتيارات السياسية بأن هناك استحالة في التوصل الى نتيجة اذا لم يطرأ تطور ما داخلي أو خارجي يبدل في المشهد النمطي القائم. وبما أن المحاولات الداخلية التي تهدف الى ردم الهوة العميقة بين الأطراف، وحصر خياراتهم الرئاسية بإسم تقبله الأكثرية، لم يكتب لها النجاح أقله الى اليوم، يبقى التعويل على مبادرات خارجية علّها تتمكن من خرق جدار التعطيل والجمود على قاعدة أن “الكنيسة القريبة لا تشفي”.

ولطالما اعتبرت فرنسا عبر التاريخ الأم الحنون للبنان، لذا ينتظر كثيرون أن تلعب دور المنقذ أو الاطفائي أو الوسيط بين الدول المؤثرة في الساحة الداخلية، وبين القوى المختلفة التي لها ثقلها في اللعبة السياسية وفي الاستحقاقات الدستورية. وتسجل في هذا الاطار حركة لافتة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يطرح القضية اللبنانية مع العديد من قادة دول العالم. كما أن هناك أحاديث في الكواليس منذ أشهر عن تسويات ومبادرات ستقودها فرنسا لتقصير مرحلة الشغور قدر المستطاع وعدم السماح بمزيد من الأزمات والمعاناة، والاسراع في وضع البلد على سكة الاصلاح قبل الانهيار الكلي. لكن، لم تظهر أي نتائج ملموسة للحراك الفرنسي على الواقع السياسي المحلي مع العلم أن بعض المعلومات الصحافية أشارت الى إمكان قيام ماكرون بزيارة سريعة الى لبنان في عطلة الأعياد لتمضيتها مع أفراد وضباط الوحدة الفرنسية العاملة ضمن قوّة “اليونيفيل” في الجنوب.

الزيارة إن حصلت لن تكون الأولى لماكرون بل سبقتها زيارتان بعد انفجار مرفأ بيروت، وقدم مبادرة انقاذية لم يكتب لها النجاح. وفي هذا الاطار، يتبادر الى الأذهان بعض التساؤلات: ماذا يمكن أن تقدم الزيارة الافتراضية في الواقع المأزوم؟ وهل سينجح في اقناع المسؤولين بملاقاته الى منتصف الطريق وصولاً الى انتخاب رئيس للجمهورية أو أن الظروف الاقليمية والدولية لم تنضج بعد لمثل هذه الخطوة؟ وهل هناك من مبادرة أو تسوية فرنسية أصلاً أو أنها تبقى في اطار المحادثات من دون أن ترقى الى مستوى التدخل الفاعل بدعم إقليمي ودولي؟

اعتبر النائب فيصل الصايغ أن “كل رئيس دولة يقف الى جانب لبنان يشكل مكسباً ديبلوماسياً ودعماً سياسياً بصورة مباشرة أو غير مباشرة. زيارة الرئيس الفرنسي ربما تكون محصورة بلقائه مع الجنود الفرنسيين ضمن قوة اليونيفيل، وهي غير مؤكدة انما مرتبطة بالوضع الأمني”، مشيراً الى أن “فرنسا تلعب دور الوسيط لتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، لكن تقع المسؤولية الأولى على اللبنانيين، ولا يجوز أن نستمر في انتظار المبادرات الخارجية لمساعدتنا. علينا أن نساعد أنفسنا، وهذا ما يقوله كل المسؤولين في الدول”.

وقال: “من الواضح أن التسوية الخارجية لم تنضج بعد، وهناك الكثير من المبادرات بقيادة فرنسية، لكن المهم أن نتخطى المرحلة، وسنتخطاها. أمامنا بضعة أشهر صعبة، لكن المرحلة المقبلة ستكون مشرقة”. وأكد أن “الرئيس المقبل سيكون لبنانياً، والدول لا تبحث في الأسماء انما في مواصفات الرئيس الى جانب حكومة منتجة أي سلطة جديدة في لبنان تركز على الاصلاح وعلى عودة العلاقات الجيدة مع دول العالم لاسيما العربية منها”.

وأمل “أن نجد الحلول، وأن تتجه الأمور أكثر نحو الايجابية انطلاقاً من الربيع المقبل، وهناك بوادر ايجابية والأفق ليس مقفلاً على الرغم من أن المواطن لا يلمسها في حياته اليومية”.

وأوضح النائب هاني قبيسي أن “عنوان زيارة الرئيس الفرنسي إن حصلت، تمضية الأعياد مع الجنود الفرنسيين في الجنوب، وقد تحصل على هامشها لقاءات مع القوى أو الكتل النيابية، والقيام بدور ما. قد تكون عاملاً مساعداً نظراً الى الدور الفرنسي الذي يحاول أن يأخذ موقعاً في المسار اللبناني، لكن علينا ألا ننتظر الكثير”.

ورأى أنه “كان على المسؤولين أن يتجاوبوا مع الدعوة الى الحوار الداخلي قبل انتظار أي اشارات خارجية”، لافتاً الى أن “المبادرات الخارجية، كلام في الاعلام. هناك حث للبنانيين على اجراء الانتخابات الرئاسية لأنها مفتاح أساس لاعادة تفعيل عمل المؤسسات، لكن ليس هناك من مبادرة مباشرة على أي مستوى حتى اللحظة. نتيجة الجلسات الانتخابية تؤكد على ضرورة التوافق في المسار الانقاذي وتقصير أمد الشغور”.

وأسف النائب السابق إيلي ماروني لان “عدداً كبيراً من النواب يتعامل مع أهم ملف في أصعب ظرف بسلبية مطلقة من خلال الورقة البيضاء أو الأسماء الرمزية، في حين أن الأوضاع تحتم علينا انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة أي تكوين سلطة جديدة للمباشرة بالاصلاحات”، متمنياً “أن تكون هناك ايجابيات لزيارة ماكرون في حال تمت لأن الشعب لم يعد يحتمل، وأن تكون الزيارة مثمرة مع الممتنعين عن القيام بواجبهم الدستوري والوطني”.

واعتبر أن “الكل وصل أمام حائط مسدود، وبانتظار مبادرة ما من مكان ما وصولاً الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”. وأشار الى أن “كل المجتمع الدولي يطالب بانتخاب الرئيس، ولبنان موجود في الخطاب الفرنسي، وفي اجتماعات الرئيس ماكرون. لكن المشكلة في لبنان لأنه لو كانوا يريدون رئيساً، لانتخبوه. التوازنات في المجلس الحالي تمنع أي فريق من ايصال الرئيس الا ضمن تغيير في هذه التوازنات، وهذا ما تعمل عليه القوى. نحن نعيش كل يوم بيومه، وليست هناك من مبادرة يمكن التعويل عليها، والشعب موجوع. التعويل على الشعب دون سواه”.

شارك المقال