بأي حق يحاضر الغرب في حقوق الانسان؟

محمد شمس الدين

يثير موضوع حقوق المثليين ومجتمع الميم عموماً الجدل في مونديال هذه السنة، تحديداً بعد رفض قطر السماح بشعارات قوس قزح الداعمة لحقوق المثليين، مما تسبب باستنكارات من دول الغرب وعلى رأسها ألمانيا، وهي واحدة من أكبر الدول الداعمة للكيان الاسرائيلي الذي يخرق يومياً كل البنود الواردة في شريعة حقوق الانسان الصادرة عن الأمم المتحدة، إن كان عبر القتل أو العنصرية اللذين ينفذهما ضد الشعب الفلسطيني.

دول الغرب تحاضر في حقوق الانسان على الدول العربية، ولكن هل تنفذ ما تعظ به؟ ففي آخر 20 سنة تقريباً، كانت هناك حملة في هذه الدول ضد ديانة بأكملها، هي الاسلام، بحيث أن العديد منها يمنع الحجاب في الدوائر الرسمية، علما أن من المفترض أن يكون للانسان الحق بأن يقرر ماذا يرتدي وفقاً لشريعة حقوق الانسان، إلا أن هذه الدول تصوّر الحجاب على أنه لباس قمعي يضرب حقوق المرأة، عدا عن ذلك لا تزال تمارس العنصرية تجاه العرب، فهي على الرغم من ترحيبها برعاياهم، إلا أنها تطلق يد أجهزتها في مراقبتهم والتنصت عليهم، والضرب بخصوصيتهم عرض الحائط، وتحديداً عبر التفتيشات العشوائية “الروتينية” كما تدعي، ولعل أبرز مشاهد هذه العنصرية تتجلى في المطارات، حيث يخضع العرب لمساءلة وتفتيش حثيث لا يخضع له مواطنو بقية الدول.

يتململ الجمهور العربي من تنظير الغرب على دوله في موضوع حقوق الانسان، لا سيما أن لهذا الغرب اليد الطولى في دمار البلاد العربية، من فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان وغيرها الكثير، فهل كانت هذه الدول تفكر في حقوق الانسان عندما قصفت العراقيين؟ هل هناك من عوقب بسبب سرقة ثروات العراق وتعذيب أبنائه وقتلهم؟ ماذا عن ليبيا وكم من مدني قتل هناك بسبب قصف دول الغرب عليها؟ أما إذا اتجهنا إلى القارة الأفريقية، فلا تزال العديد من الدول تحت الاستعمار الغربي، الذي يستمر في سرقة ثرواتها.

حتى أن الاتحادات الدولية الرياضية تمارس العنصرية نفسها لدول الغرب، وأولها “الفيفا”، التي تعطي أفضلية للمنتخبات الأوروبية على حساب المنتخبات الآسيوية والأفريقية.

فلسطين تعاني يومياً من بطش الاحتلال الاسرائيلي، ومن حائط الفصل العنصري الذي يستعمله الكيان الصهيوني، ولا تجد أي دولة في العالم تعترض على السياسات الصهيونية، بل على العكس تماماً هي تشدد دعمها لها، وتستطيع اليوم وصم الفلسطينيين بالارهاب على وسائل الاعلام، ولكن إذا انتقدت أي تصرف اسرائيلي تُتهم بمعاداة السامية، وتُقاطع اعلامياً، وحتى إذا وصفت واقعاً ما يتعلق بالاسرائيليين واليهود تصبح منبوذاً من العالم الاعلامي كله، كما حصل مع المغني كانييه ويست، الذي شُنت الحرب عليه، فقط لأنه قال إن لليهود نفوذاً إعلامياً كبيراً في العالم، وقد صرح بأنه تحول من ملياردير إلى شخص غير قادر على استعمال الـ”apple pay”.

الأخطر من ذلك هو ازدواجية المعايير عند دول الغرب، فهي تحارب بشدة زواج القصّر، وهذا مطلوب ولكنها في الوقت نفسه تسمح لهم بتحديد هوياتهم الجنسية في عمر الطفولة، وهذا أمر غريب، فكيف يمكن اعتبار أن صبياً أو فتاة لا يمكنهما الزواج في سن الـ13، ولكن يستطيعان تحديد هوياتهما الجنسية، فهل نمو عقلهما وتجربتهما في الحياة يسمحان لهما بتحديد ما يريدان؟ بل أكثر من ذلك أصبح مسموحاً إجراء عمليات تحول جنسي حتى قبل بلوغ سن الرشد (18 عاماً وفق غالبية دول العالم)، فكيف يمكن القبول بهذا الأمر ومحاربة زواج القصّر؟

قد يكون من أخطر الأمور بعض المؤتمرات التي أقيمت مؤخراً في دول الغرب، والتي تسوّق الى أن “اشتهاء الأطفال” مرض، ولا يجب التعامل مع المصابين به بقسوة.

لا يمكن إنكار دور دول الغرب في الكثير من الإنجارات على صعيد البشرية، تحديداً لجهة الحريات الانسانية، ولكن لا يجب الأخذ بكل ما تقدمه هذه الدول، ولاسيما أن السياسات تتغير عندها وفق الأهواء السياسية والديموغرافية، وما تقدم اليمين المتطرف لديها إلا دليلاً على ذلك، ضغط الدول لجهة الهوية الجنسية وحقوق الانسان على الدول العربية، ليس من أجل هدف سامٍ عنوانه حقوق الانسان، بل أصبح أداة لفرض سياسات والحصول على مكتسبات من هذه الدول.

شارك المقال