…وأي مصيبة؟

علي نون
علي نون

ليست غريبة ولا عجيبة ولا جديدة هذه النوبة من الأداء الذي يُقدم إلى عموم اللبنانيين مِن قبل مَن تصدّر دولتهم ويومياتهم ومصالحهم ومصائرهم، وراح يلهو بها ويلعب كأنه في ذلك يملك صلاحيات الجبابرة في هذا الزمان، الذين يقررون كل شيء بما فيه مزدوجة الحياة والموت.

ولا بأس من الإقرار والتسليم بأن صاحب الشأن الأول في منظومة الدولة النسبية والملتبسة والمغيبة حتى في نسبيتها والتباسها، استطاع أن يحقق شيئًا كثيرًا من رؤاه الأولى والصافية! أي جعل لبنان في مكان ما، أقرب إلى كونه دولة يحكمها نسق حزبي بقيادة ديكتاتور غير مكتمل المواصفات والقدرات والإمكانات لكنه “يسعى” إلى ترجمة ذلك أينما أمكنه، وكيفما شاء، وفي حدود قدراته! ومن دون أن يكلّ أو يملّ أو يتراخى أو يتراجع أو “يصفن” لبرهة من الزمن وينتبه إلى أنه في لبنان وليس في سوريا الأسد (المفيدة)! ولا في العراق الصدامي ولا في العراق الذي تلا صدام وجعل عموم ضحاياه يحنّون إلى أيامه المجيدة! ولا في إيران “الولي الفقيه”!

نجح صاحب الشأن العصابي، في جعل اللبنانيين يتمنون أي شيء، إلاّ الاستمرار في دويخة مشروع الديكتاتور الفاشل والكاريكاتوري هذا، وسعيه المريض إلى نسف النظام والدستور والأعراف وسمفونية العيش المشترك وأيقونة الصيغة الميثاقية الأثيرة… أي شيء آخر، طبيعي وعادي وواضح، يقرّبهم من واقعهم المتشظي وأحوالهم المرتبكة وهمومهم المتكاثرة والمتناسلة وأوضاعهم الآيلة إلى الأسوأ منطقياً وحسابياً… أي شيء آخر يخرجهم من هذه المناحة ويصالحهم مع اليقين الذي يفيد بأنهم منكوبون بوضوح تام! وان لا أمل بخروجهم من هذه النكبة المستفحلة إلا بشيء إعجازي، يُقال إنه صار شبيها بثلاثية العنقاء والغول والخل الوفي!

نجح صاحب الشأن إلى حد ما في الانتقام من عموم اللبنانيين! وفي ازدراء عيشهم ودولتهم ودستورهم ونمط حياتهم “الماجن” والمفلوش والمنفوش! وفي تدفيعهم بالمحصلة وبالتدريج المريح أثمان عدم الانصياع إلى قدرهم، ورفض الإذعان إليه وهو المنقذ، نصف الإله! الرؤيوي، العالم العارف بأصول “تربية” الشعوب! وبناء المجتمعات السعيدة والمنتجة والمتمكنة. والدول القوية والريادية. والأنظمة الأكثر نجاعة وملاءمة للعصر والزمان ولما بعد العصر والزمان… للآتي بعد مئة عام! أو ألف عام! أو حتى آخر الدنيا! وبماذا يتفوق عليه من سبقه في التاريخ؟ منذ أيامه السحيقة شرقاً وغرباً، الرسل والأنبياء الكذبة والأباطرة العتاة في السفك ومراكمة البناء بالجماجم؟! ومنذ أيامه القريبة في أوروبا الحربين العالميتين الأخيرتين!؟ بماذا يتفوق عليه ملهموه في جوارنا الذين أبادوا دولهم وحطموا شعوبهم وربطوا مصائرهم الشخصية بالمصائر العامة تلك؟! وكيف يمكن تخيّل شيء يستمر ويبقى “بعد” أو من دون أنصاف الالهة هؤلاء؟! بماذا يتميزون عنه؟ بالرؤية؟ ببعد النظر؟ بالفراسة؟ بالفكر؟ بالحكمة؟ بالنبوة؟ بالإبداع؟ بالإلهام؟ بكيفية ممارسة السلطة وبناء الدول؟ بالشجاعة؟ أو بماذا؟

ولأنه من تلك الطينة والعجينة، نجح صاحب الشأن الذي نحن في صدده، في ربط مصير لبنان واللبنانيين به كشخص لا يفنى! وبضرورته كي يبقى ويستمر من خلال تقرير من يحمل الراية بعده، ومن يستحق ذلك المجد الاستثنائي، ومن هو المؤهل لمتابعة المشروع الرسالي وإيصاله إلى سدرة المنتهى… هو الذي يقرر! وما يقرره يجب أن يمشي! وإلا لا شيء يبقى ويستمر ويمشي. ولا شيء عندنا يعني أحوالنا الحالية بتمامها وكمالها! وهي مثلما هو واضح وجلي، على بعد خطوة صغيرة من جهنم الموعودة! أي الأخذ بالمعادلة التي أرساها صدام في العراق والقذافي في ليبيا والأسد في سوريا والمتمحورة حول القول الفصل: الأبد أو نحرق البلد! لا عراق بعد صدام! ولا ليبيا بعد القذافي! ولا سوريا من دون الأسد! ولا لبنان من دون جبران! ولا دولة ولا حكومة ولا مال ولا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا دور ولا علاقات عربية أو غربية من دون الإذعان والرضوخ لإرادة صاحب الشأن الرسالي! ومن دون التسليم المسبق والبصم بالعشرة على صك التسليم ذاك، أن الوريث الشرعي الوحيد هو ذلك المشعوذ الصغير وليس غيره.

لا بأس من الإقرار والاعتراف بأن صاحب الشأن الرئاسي تمكن من تحقيق الكثير من رؤاه، وأخذ لبنان وأهله إلى حيث يريد… وإلى تثبيت كونه حالة غير مسبوقة في تاريخنا الحديث بحيث إنه الوحيد الذي جعل من لبنان سوريا صغيرة فيما كان طموح سوريا وغيرها في المنطقة المنكوبة أن تكون لبنان كبيراً.

أحد الأصدقاء الظرفاء اللامعين، اعترض بالأمس على عنوان “رئيس جهنم ” وقال لمحدّثه: وما ذنب أهل جهنم كي تضاف إلى عذاباتهم هذه المصيبة الكبرى؟

… وأي مصيبة !

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً