العماد جوزيف عون إن حكى بالسياسة والاقتصاد!

جورج حايك
جورج حايك

تتذرّع بعض القوى السياسية والنوّاب التابعين لها بأنهم لا يعرفون مواقف قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون من القضايا السياسية والاقتصادية حتى يؤيدونه لرئاسة الجمهورية، لأنه لا يتكلّم بالسياسة ويتفرّغ لقيادة المؤسسة العسكرية وإدارة شؤونها.

لكن خلافاً لهذا التفكير السائد، لا بد من الإقرار بأن تجربة العماد عون العسكرية وأدائه ومواقفه في المناسبات الكبيرة، تساعد على فهم ذهنية الرجل وطريقة تعاطيه مع الشؤون الوطنية أولاً وفهمه للسياسة وللاقتصاد ثانياً. علماً أن العماد عون لم يرشّح نفسه للرئاسة، بل أعلن مرات عدة أنه غير مرشّح وهدفه المحافظة على المؤسسة العسكرية، مع ذلك، يُعتبر من أكثر الأسماء المتداولة للرئاسة، بل الأكثر جديّة إلى جانب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض.

ما هي خلفيّة العماد عون السياسية؟

لا يبدو قائد الجيش شبيهاً بممثلي الطبقة السياسية الحاكمة، على الأقل سلوكياً، فهو لا يستلطف في أعماقه ممارسات السياسيين الذين أوصلوا البلد إلى هذا الدرك من الانهيار والفقر والعزلة، وغالباً ما حذّرهم في كلماته من هذا الأداء السلبي، وبالتالي يمكنه، إذا أراد، أن يتباهى بأنه مختلف عنهم، والوقائع تؤكّد ذلك من خلال نجاحه في إدارة الجيش اللبناني في أصعب الظروف، بحيث لم يوفّر جهداً لتأمين دعم لعناصر الجيش والحد من حالات الهروب والاستقالة نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة.

أولاً، وضع العماد عون في سلّم أولوياته المحافظة على السلم الأهلي، وهذا ما يعتبر من أساسيات منطقه وفكره السياسي، وبالتالي هو رجل توافقي، يُفهم من هواجسه حيال السلم الأهلي أنه على مسافة واحدة من كل الأطراف، ويشجّع على التوافق في كل القضايا السياسية الخلافية في بلد تعددي يضم مشاريع سياسية متناقضة. ويبقى العيش المشترك الذي اختبره القائد فعلاً في الجيش هدفه الأول والأخير.

ثانياً، تُعتبر السيادة من أهم العناوين في سلّم أولويات عون، فهو آتٍ من مؤسسة عسكرية تعتبر المحافظة على السيادة جزءاً من عقيدتها، لذلك يقف على مسافة مشتركة مع المتوجسين من العدو الاسرائيلي وإرهاب “داعش” وخصوصاً أنه خاض معركة “فجر الجرود” ضد التنظيم الأخير، وينسجم مع تطلعات فريق المعارضة المتحسّس من تدخلات النظامين السوري والايراني، كونه إبن المؤسسة العسكرية ولا يقبل بأي تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية، وهذا ما يرضي تطلعات البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الحياد.

ثالثاً، لا يبتعد العماد عون عن الواقعية السياسية، فهو يُدرك أنه ليس مرشحاً رئاسياً بالمعنى التقليدي، ولا يسعى للوصول إلى قصر بعبدا، إلا أن رؤيته للاستحقاق الرئاسي تنطلق من قناعته بأن المجلس النيابي الحالي عاجز عن انتخاب رئيس، بل يحتاج إلى دعم خارجي يفضي إلى تسوية معينة تحمل أي مرشّح “توافقي” إلى قصر بعبدا. قد لا يكون العماد عون من المحبذين للتدخلات الدولية في الاستحقاق الرئاسي، إلا أن نظرته البراغماتية وعجز النواب عن انتخاب رئيس بصناعة لبنانية، سيدفعان “الخارج” إلى التدخّل في الاستحقاق، لذلك هو لا يخوض أي معركة رئاسية ويهمّه تأمين الأجواء الملائمة لانتخاب رئيس من دون مشكلات أمنية قد تحصل خلال الشغور الرئاسي.

رابعاً، لم تؤثّر استفزازات بعض المرشحين و”زعماء” القوى السياسية لقائد الجيش بإنزلاقه إلى السجالات والمهاترات، فبقي ملتزماً بـ”الصمت العسكري”، وهذا ليس غريباً عن مناقبية ضباط الجيش، فهو تلقى تربية عسكرية أهم ما تتميّز به هو الانضباط، لذلك يتلقى سهام الانتقادات بصدره، علماً أنه لو أراد الكلام لفضح الكثير من عيوب السياسيين ورهاناتهم الرخيصة.

خامساً، تحتل مؤسسات الدولة أهمية كبيرة في اهتمامات العماد عون، وإن أصبح رئيساً سيعمل على إعادة بنائها، لأنه إبن مؤسسة ولا يرضى بتعطيل أي من مؤسسات الدولة أو تجاوزها، وهذا ما يذكّرنا بالرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي أتى من المؤسسة العسكرية وكان حريصاً على الدستور والمؤسسات.

سادساً، في وقت لم يقم الرئيس السابق ميشال عون بزيارات إلى دول كثيرة خلال عهده، كان العماد جوزيف عون مرحباً به في دول عدة أهمها الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، بريطانيا، السعودية، ايطاليا، العراق، قطر وغيرها. وعلى الرغم من أن هذه الزيارات كان طابعها عسكرياً، إلا أن مرجعيات هذه الدول بدت مرتاحة إلى شخص العماد عون المنفتح، وهو قادر إن إنتخب رئيساً على أن يوظّف هذه العلاقات لخدمة لبنان الدولة والمؤسسات والاقتصاد.

سابعاً، لا يُخفى على أحد أن هناك علاقة تنسيق بالحد الأدنى بين الجيش و”حزب الله”، ويعتقد عون أن “الحزب” يمثّل شريحة واسعة من اللبنانيين، لكن هذا لا يعني أنه موافق على كل سياساته، وتسريب “الحزب” خبر لقاء جمع بين مسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا وعون لم يكن عفوياً، بل خطوة هدفها إظهار انفتاح “الحزب” على مرشحين ممكن التوافق عليهم مع الفريق المعارض. قد يكون هناك بعض التباينات بين “الحزب” وعون حول ملفات معيّنة، وربما حول علاقة عون مع الولايات المتحدة، لكن ليس صعباً بناء جسور الثقة بين الطرفين.

ثامناً، ليس العماد عون بعيداً عن الأزمة الاقتصادية، وقد عبّر عن ذلك مراراً وتكراراً عندما اعتبر الجيش جزءاً من الشعب الذي يعاني من الانهيار المالي والاقتصادي، ويعرف عون أن جزءاً كبيراً من الأزمة الاقتصادية سببه الخلافات السياسية مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، وهو أكثر من يستطيع إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية عبر توفير عامل الاستقرار وكسب ثقة عواصم القرار لمساعدة لبنان مالياً وجذب الاستثمارات، وتجربته على صعيد مؤسسة الجيش خير دليل.

تاسعاً، ليس العماد عون متساهلاً مع أي مظهر من مظاهر الفساد، ولعل تجربته في الجيش أثبتت هذا الأمر، فهو رفض محاصصات السياسيين في تعيينات الجيش، ولم يرضخ لهم، ونجح في إجراء تعيينات مهنيّة بحت، معيارها الكفاءة فقط. وهذا الرجل لن يرحم أياً من الفاسدين إذا وصل إلى رئاسة الجمهورية، وسيخوض معركة مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في مؤسسات الدولة وخصوصاً القضاء.

ولعل مواصفات الرئيس العتيد التي يطالب بها الشعب اللبناني تنطبق على العماد جوزف عون وخصوصاً ثلاثيّة: انقاذي، سيادي واصلاحي.

شارك المقال