أولوية البحث عن اصلاحات ممكنة

محمد علي فرحات

من أين يستمد اللبنانيون المقيمون حيويتهم وتمسكهم بوطنهم، على الرغم من وجودهم بين جدران أربعة تعلوهم سماء بعيدة ويقفون على أرض زلقة؟

شعب موعود بمحطات دمار وموت وضياع مرة كل عشرين سنة تقريباً، لكنه لا يكف عن الحلم بوطن مستقر، تساعده على ذلك لوثة تفاؤل مستحبة ولوحات الجمال التي تزين بلاده الملعونة.

ويعيش اللبنانيون اليوم على وقع أزمات معيشية وخلل في اليقين وفوضى صامتة، لا تحجبها الثرثرات المتكررة المسماة تحليلاً سياسياً هو كناية عن دفاع هذا الفريق أو ذاك عن صوابية رأيه في واقع الوطن ومصيره، وهو رأي مقيّد بمصلحة الزعيم لا بمصلحة الجمهور.

وإذ ينحدر مستوى المعيشة يتزايد عدد الفقراء، وهؤلاء ليس لهم الاّ وطنهم يتمسكون به على الرغم من الصعوبات، وهناك الى جانبهم ما تبقى من طبقة متوسطة تتهاوى لكنها لا تشارك في المسيرة الشريرة العريقة في نهب المال العام.

وفي الجانب الآخر هناك لبنانيون متسلطون، غالبيتهم من قادة الميليشيات الذين استولوا على ادارات الدولة فعمدوا الى نهبها ولا يزالون يطمعون بالاستيلاء على القليل الذي تبقّى منها، وهم يتهيأون لنهب ما يمكن أن يرد الى لبنان من المغتربين ومن دول كبرى ومؤسسات عالمية تساعد الأوطان الفقيرة المنهارة. ولدى قادة الميليشيات هؤلاء مخططات جهنمية لم يعرف العالم لها مثيلاً، يستندون في ذلك الى صعودهم السريع من الفقر المدقع الى الغنى الفاحش من دون إعداد نفسي أو وعي طبقي.

وفي النظر الى السجالات الداخلية وتلك الاقليمية والدولية حول أزمة لبنان المتفاقمة، يلاحظ التركيز على أمرين رئيسين هما سلاح “حزب الله” وعبء الوجود السوري، فمن بين خمسة أفراد تجدهم في الشارع اللبناني هناك سوريان وثلاثة لبنانيين يضمون أيضاً أجانب مقيمين غير سوريين، وهذه النسبة العددية غير مسبوقة في المنطقة والعالم وتكاد تشكل اجتياحاً غير معلن.

وعلى أهمية مشكلتي سلاح “حزب الله” والوجود السوري المتفاقم يبدو أن حلهما أكبر من قدرة لبنان واللبنانيين، فهو يرتبط بمستقبل سوريا الواقعة في هذه المرحلة تحت وطأة وجود ميليشيوي كردي ووجود عسكري روسي وأميركي وتركي وايراني، ما يشكل رعاية لضعف الدولة السورية وعرقلة لتوصل السوريين الى وفاق وطني ينهي خلافاتهم الدموية التي أدت الى “طرد” ملايين المواطنين من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم. ويبدو سلاح “حزب الله” وإن بقدر أقلّ مرتبط بطبيعة الوجود الايراني في بلدان المشرق العربي ومصير هذا الوجود بعد توصل القوى الدولية والاقليمية الكبرى الى تسوية للوضع السوري، ولا يشفع لـ”حزب الله” كونه دفع بمقاومته الى انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان، فإن تدخله الملموس في الصراعات العسكرية داخل سوريا وفي العراق، وصولاً الى اليمن، جعل صورته كذراع ايرانية تغلب صورته كمقاومة لبنانية.

وإذا كان من حق اللبنانيين المطالبة بتسليم سلاح “حزب الله” الى الجيش والدفع نحو مغادرة السوريين أو معظمهم الى ديارهم الأصلية، فان هذا الحق لا يعني أن مشكلة لبنان تقتصر على هاتين المسألتين، بل ان التركيز عليهما وحدهما يهمل مشكلات يمكن للبنانيين مناقشتها وحلها. ونكاد نقول ان هذا الاهمال متعمد من فريقي المدافعين عن السلاح والوجود السوري والرافضين لهما، وهو إهمال يعفي الشخصيات الميليشيوية السابقة التي تسيطر على ما تبقى من الدولة، من المسؤولية عن هدر المال العام وعن الفساد وافقار المواطنين ونقل لبنان الدولة والمجتمع الى مستوى متدن يبدو معه الصومال بالمقارنة مثل سويسرا.

اللبنانيون مدعوون الى محاربة الفساد والفاسدين والدفع الى اصلاحات بنيوية في الادارة وتعزيز الرقابة على الانفاق، خصوصاً أن معظم السياسيين النافذين يعتبرون الأموال العامة ملكاً خاصاً لهم، باسم الطائفية وباسم شعارات تتناول مشكلات الاقليم وتتعدى مطالب اللبنانيين.

شارك المقال