يوم لبنان في الفاتيكان… هل تُصلح الصلاة ما أفسدته السياسة؟

هيام طوق
هيام طوق

يبدو أن الوضع اللبناني بات بحاجة ماسة إلى عناية إلهية وتدخل سماوي بعد أن انقطعت حبال إنقاذ المجتمع الدولي، وفشلت وساطات ومبادرات المصلحين الخائفين على وطن مهدد بالزوال بسبب كيديات وأنانيات بعض مسؤوليه الذين لا يقدّرون خطورة أزمة ستودي بهم وبمصالحهم إلى ما بعد قعر جهنم.

يوم الأحد في 30 أيار 2021 أطل البابا فرنسيس في صلاة “الأنجيلوس” في الفاتيكان، وقال: “سأجتمع في الأول من تموز بالممثلين الأساسيين للجماعة المسيحية في لبنان. ونخصص ذاك اليوم للتفكير بالأوضاع المقلقة في البلاد، وللصلاة معاً من أجل نعمة السلام والاستقرار. وأعقد نيتي لتتدخل عناية والدة الله المبجّلة جداً في مقام سيدة حريصا في لبنان”. وتوجه إلى المصلين في الساحة، قائلاً: “من هذه اللحظة أطلب منكم متابعتي في التحضيرات لهذا الحدث بالصلاة التضامنية، وتمني مستقبل هادئ لهذا البلد الحبيب”.

قلق البابا الكبير على الوضع اللبناني وعلى المسيحيين وغير المسيحيين، عبّر عنه في مناسبات عدة، وحث المجتمع الدولي على مساعدة لبنان للوقوف على قدميه مجدداً بعد أن أوقع الانهيار الاقتصادي معظم سكانه في براثن الفقر، الذي أصبح يمثل أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية. كما أن وضعه السياسي ليس أفضل حالاً، إذ يشهد عرقلة في تأليف حكومة ستكون بمثابة خشبة خلاص لبلد يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليأتي انفجار مرفأ عاصمته الذي أودى بحياة مئات الأبرياء وتسبب بخسائر تُقدر بمليارات الدولارات ليزيد في الطين بلة. وكأن قادة هذا الوطن يسيرون بخطى ثابتة نحو تحقيق “نبوءتهم” بأخذ البلد إلى جهنم التي فتحت أبوابها على مصراعيها أمام شعب يسير حافي القدمين على جمرها الحارق، وما من مستغيث.

البابا العارف بمشكلاتنا، أراد الصلاة مع رؤساء الكنائس والاستماع إليهم ربما لأن ليس لديهم مصالح سياسية وفئوية ضيقة، وهم سيتحدثون باسم لبنان ووفقاً لمصلحته الوطنية، وسيطرحون معاناة هذا الشعب الذين هم على تماس مباشر معه، عله يستطيع انتشال لبنان من جهنم، ويكون ذاك “الصوت الصارخ في البرية”.

مع العلم أن الفاتيكان لا يتدخل في التفاصيل السياسية والخلافات الضيقة لا في لبنان ولا في أي بلد من البلدان انما يتناول الأوضاع العامة الكبيرة التي تخص البلد وطريقة خروجه من أزماته، ويحاول المساعدة. وموقف الفاتيكان في هذا الشأن شبيه بموقف المجتمع الدولي بكامله، وهو: “قوموا بما عليكم لكي نقف إلى جانبكم ونساعدكم”.

إذن، للبنان “وطن الرسالة” و”الوطن الحبيب” أهمية خاصة لدى البابا فرنسيس كما لسلفه القديس البابا يوحنا بولس الثاني، إذ إن الحبر الأعظم، يسعى من خلال هذا اليوم الفاتيكاني، للصلاة من أجل لبنان، لفت أنظار العالم إلى الوضع اللبناني باعتبار أن أي اجتماع يحصل في الفاتيكان في حضور البابا، يأخذ بعداً عالمياً ما يؤكد حرص الكرسي الرسولي على مساندة لبنان وإنقاذه، وانه سيستمر في مساعدته مهما اشتدت الصعاب، ولن يتركه يغرق في مستنقعات مشاكله التي تزداد تفاقماً يوماً بعد يوم.

وكان البابا فرنسيس اعتبر في رسالة بعثها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون الشهر الفائت “أن لبنان لا يمكنه أن يفقد هويته ولا تجربة التعايش الأخوي فيه التي جعلت منه رسالة إلى العالم بأسره”. كما سبق أن أعلن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، الذي زار الفاتيكان في نيسان الماضي، أن” بابا الفاتيكان أبدى له رغبته في زيارة لبنان بعد تشكيل الحكومة”.

ووفق معلومات لموقع “لبنان الكبير” فإن يوم الصلاة في الفاتيكان، جاء تلبية لدعوة كاثوليكوس الأرمن الارثوذكس آرام الأول كيشيشيان الذي وجه رسالة إلى البابا فرنسيس يطلب فيها لقاءً روحياً للصلاة على نية لبنان، وسيشارك فيه بطاركة الطوائف المسيحية وعدد من المطارنة المرافقين، والدعوة لم تشمل رجال دين مسلمين، لأنّ هذا اللقاء كنسي وهدفه الصلاة المسيحية، مع أن البابا يعتبر من أكثر المتمسكين بالعيش المشترك المسيحي – الإسلامي في لبنان.

وعلى الرغم من أن مختلف الأطراف الكنسية المشاركة في يوم الصلاة في الأول من تموز المقبل، تؤكد أن لا معلومات لديها حتى الآن عن برنامج هذا اليوم، لأنه لا يزال قيد الإعداد في دوائر الفاتيكان بالتنسيق مع المعنيين في لبنان، كما أنهم لم يتبلغوا ما إذا كان سيتخلل هذا اليوم كلمة للبابا فرنسيس أو سيصدر بيان ختامي، إلا أنهم يعولون على الأحاديث والنقاشات التي ستجري مع البابا، والتي ستكون ركيزة انطلاق نحو المجتمع الدولي للمساعدة، خصوصاً وأن بابا الفاتيكان شخصية عالمية محترمة من كل دول العالم، لعله بذلك يستطيع القيام بما فشل به المسؤولون السياسيون في الداخل. ويعتبر القادة الروحيون أن الحبر الأعظم، يريد من خلال هذا اليوم، توجيه رسالة رجاء إلى الشعب اللبناني بأن الكنيسة لن تتركهم وستكون إلى جانبهم في محنتهم.

صياح: الصلاة للخروج من أزماتنا

ويوضح النائب البطريركي العام الأسبق المطران بولس صياح في دردشة مع “لبنان الكبير” أن برنامج هذا اليوم الطويل للصلاة مع البابا تضعه الدوائر المعنية في الفاتيكان ولا يزال التحضير قائماً حيث لا برنامج واضحاً ومحدداً حتى الساعة “لافتاً إلى أن “أي من القادة السياسيين لن يشارك في اللقاء الروحي. فهو يوم للصلاة من أجل لبنان، وهذا ليس غريباً على البابا فرنسيس المهتم جداً ببلدنا وهو لا يفوت فرصة لمساعدتنا في حل مشاكلنا إذ أصبحنا بحاجة للصلاة للخروج من أزماتنا”.

أسادوريان: الاتفاق الداخلي ليساعدنا الغير

ويرى المعاون البطريركي في بطريركية الأرمن الكاثوليك المطران جورج أسادوريان أن “محبة البابا للبنان دفعته إلى تخصيص يوم صلاة في الفاتيكان، وهو يعلم جيداً أن لدينا مشاكل لم نستطيع إيجاد حلول لها. ويريد أن يستمع إلى هواجس اللبنانيين من رؤساء الطوائف، ويحاول إيجاد الحلول للأزمة اللبنانية من خلال تواصله مع قادة العالم لإنقاذ لبنان” مشدداً على “ضرورة أن تتفق الجهات الداخلية مع بعضها لكي يساعدنا الغير”.

ويلفت إلى أن “البابا استمع إلى السياسيين، وهو الآن يريد سماع وجهة نظر رجال الدين الذين سيتحدثون باسم لبنان بكل أطيافه وطوائفه لأن رجال الدين لا يفكرون بمصالحهم الخاصة بل بالمصلحة الوطنية. إنها نظرة الكنيسة التي تختلف عن نظرة السياسيين”.

ويوضح أنه “بعد الاستماع إلى القادة الروحيين والمناقشة في القضايا اللبنانية، ستضع مجموعة متخصصة تكون على إطلاع واسع بالقضايا اللبنانية، ورقة عمل ما أو بياناً ربما لا تعلنه الفاتيكان لأن بنظرها العمل على الأرض هو الأساس” مؤكداً أن “هذه الورقة سيكون لها وقعها الإيجابي على لبنان، فنحن نتحدث عن البابا المحترم من كل دول العالم” آملا أن “ننجح حيث فشل السياسيون الذين دمروا البلد”.

مراد: ورقة ضغط معنوية

ويشير أمين سر بطريركية السريان الكاثوليك الأب حبيب مراد إلى “أننا لم نتبلغ أي برنامج أو جدول عمل لهذا اليوم التاريخي في الفاتيكان، لكنني أتوقع أن يكون مقسوماً إلى شقين: شق الصلاة الذي سيأخذ حيزاً كبيراً وشق النقاش والحوار بين الرؤساء الروحيين من جهة وبينهم وبين البابا من جهة أخرى، لأن رجال الدين على تماس مباشر مع الناس وهمومهم ومشاكلهم”.

ويلفت إلى أن “هذه النقاشات ربما تشكل خارطة طريق أو ورقة ضغط معنوية من قبل البابا باتجاه المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان”، مشدداً على أن “البابا يريد من خلال هذا اليوم توجيه رسالة رجاء إلى اللبنانيين بأن الكنيسة تقف إلى جانبهم في محنتهم ولن تتركهم بعدما استنفدت كل محاولات الإنقاذ الداخلية”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً