عواصف الفراغ الأمني

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

مع تفاقم حالة الانهيار التي يعيشها اللبنانيون، والمفروضة عليهم بقدرة قائد أوركسترا فرقة الممانعة، لا يبدو في الأفق إمكان للخروج منها لا بمساعدة داخلية ولا خارجية، فأكثر من 85% صاروا تحت خط الفقر، والعائلات اهتزت حياتها المادية والمعنوية والنفسية، لم يعد هناك بلد ولا حياة، لا نظام ولا مؤسسات تعمل، ولا مسؤول يقوم بواجبه ولا دولة تسأل عن مواطنيها وتلبي الخدمات وتؤمن الحماية، فمنذ ثلاث سنوات تقوم المنظومة الحاكمة بتسيير ادارات الدولة وفق طرق خاصة، تتفنن في اصدار قرارات “أحجية” تشغل الأذهان في حل معادلاتها المتشابكة، لا سيما تلك المتعلقة بالوضع المالي.

المنظومة التي أحرقت اللبنانيين في جهنم فسادها لم تصارحهم بالحقائق، ولم تشرح لهم كيف أسقطت الدولة بكاملها في حضن الدويلة ومرشدها، والأنكى أن انتخابات 2022 لم تغير الأوضاع، إنما كرّست السلطة نفسها، وأصبح اللبنانيون عاجزين عن النهوض أو التمرد على الرغم من التهديدات التي تحيط بهم سياسياً واقتصادياً ولعل أخطرها فقدان الأمن.

الأزمة ليست أزمة الفراغ الدستوري في رئاستين وغياب القرارات الاقتصادية التي يمكن أن تعالجها وحسب، بل في اعتكاف المؤسسات عن ممارسة نشاطها مما يهدد مقومات الدولة لعدم وجود سلطة لمراجعتها، ومع غياب اجتماعات مجلس الوزراء، وضع البلد أمام فراغ شامل تعجز القوى الأمنية عن التصدي له ومتابعته في ظل تلكؤ أصحاب القرار عن القيام بواجباتهم.

يضاف الى ذلك كله، الوجود السوري غير المنظم الذي أصبح بحسب البعض ليس عبئاً على الدولة اللبنانية وحسب، وإنما على المواطنين اللبنانيين في ظل تحلل المؤسسات، وفي هذا الاطار تشرح مصادر سياسية لـــ “لبنان الكبير” هذا الأمر بالقول: “الوجود السوري العشوائي سيشكل عائقاً أمام استتباب الأمن، فالناس يعبّرون عن تململ واضح ويرون بغالبيتهم أنه لم يعد هناك مبرر لوجود السوريين في لبنان، وكان هذا الأمر يوضع في باب المناكفات اللبنانية الداخلية، فالبعض اعتبر أن السوريين جاؤوا الى لبنان بشفعة الجيرة وهروباً من الحرب، والبعض الآخر شارك في هذه الحرب مستبيحاً الحدود وهو يخرج ويدخل ويسيطر على معابر لا تستطيع الدولة ضبطها ومن هنا أصبح الوجود السوري أشبه بدولة داخل دولة”.

وفق هذه الصورة، تشير المصادر الى أن “ما أثار حفيظة اللبنانيين أخيراً هو عمليات الاعتداء وتنفيذ جرائم قتل واغتصاب وسرقات قام بها بعض السوريين استهدفت مواطنين لبنانيين واستطاعوا الهرب من العدالة، والأحداث كثيرة مثلاً ما حصل في بلدة عقتنيت الجنوبية في ضواحي صيدا ومقتل الفتى ايلي متى (15 سنة) الذي طعن من أجل السرقة. وفي بلدة القصيبة حيث استدرج شخصان من آل مهدي وتمت سرقتهما ما أدى الى مقتل أحدهما واصابة الآخر بجروح خطيرة. وفي البقاع سجلت التقارير أيضاً سرقة امرأة في سوق بعلبك، واطلاق النار عليها، وكذلك في النبطية سرقت امراة، وخطف طفلان سوريان من لبنان ونقلا الى خارج الحدود. وسبق ذلك جريمة أنصار التي راحت ضحيتها إمراة وبناتها الثلاث اللواتي تم تقطيعهن. مثل هذه الحوادث تكررت نتيجة غياب الدولة والفراغ الأمني الذي شجع على الفلتان”.

وتؤكد المصادر أن “الوجود السوري غير المنظم مشكلة لا بد من معالجتها، لكن لا بد من الفصل بين اللاجئ والعامل والهارب من بلاده لارتكابه جرائم وبين الباحثين عن عيش أفضل في لبنان، والواضح أن هناك من يدخل ويخرج بواسطة جوازات سفر، ومن يعمل مع عصابات تهريب البشر والمخدرات ومحمي من جهات أمنية سورية ولبنانية على طرفي الحدود، ويمارس نشاطه من دون حسيب أو رقيب، وهو ما يؤكد أن غياب المراقبة الأمنية وتخلف القوى المنوطة بها عن القيام بدورها يهدد أمن اللبنانيين”.

وتلفت هذه المصادر الى وجود “مناطق سورية كاملة لم تتعرض للأذى ولم تتضرر من الحرب، ولكن أهلها يتواجدون في لبنان لاسيما في مناطق الجنوب ويتنقلون بواسطة جوازات سفر ويعبرون الحدود فقط هرباً من ثأر عشائري أو لتحسين وضعهم المعيشي والافادة من مساعدات الأمم المتحدة، أي يأخذون من نصيب اللاجئين الحقيقيين ومفوضية اللاجئين غافلة، وهؤلاء غير مراقبين. وهناك من يأتي للعمل وهو أمر اعتاد عليه اللبنانيون منذ زمن لكن هؤلاء أصبحوا اليوم يحضرون عائلاتهم معهم، ولا مشكلة هنا فلبنان بحاجة اليهم، ولكن يجب تنظيم ذلك وفقاً للقوانين. وهناك اللاجئون الذين شردوا نتيجة الحرب والاستيلاء على مناطقهم واحتلالها من ميليشيات ايران واضطروا الى الهرب وهم من يحملون صفة اللاجئ، ولا بد من رعايتهم طالما منازلهم مدمرة وقراهم محتلة من حزب الله وتبنى فيها مصانع مخدرات وزراعات ممنوعة ومستودعات لتخزين الأسلحة الايرانية وتستعمل طرقاتهم وقراهم للتهريب”.

من المعروف أن بعض القوى اللبنانية دخل في سجالات للتحريض على اللاجئين السوريين والدفع بإتجاه الصراع والدخول في أزمة علاقة مع اللاجئين، وهو ما ظهر في تحليلات ومواقف تحمّلهم مسؤولية الأزمة المعيشية، حتى أنهم قاموا بحسابات الاستهلاك السوري في البلد من دون النظر الى أنه في اللحظات التي اختفى فيها الدولار من لبنان لعب الوجود السوري كما الوجود الفلسطيني سابقاً اضافة الى المغتربين اللبنانيين دوراً في انعاش جزء بسيط من الاقتصاد اللبناني، علماً أن لبنان استفاد أيضاً من تعليم اللاجئين، وما الأحاديث عن فضيحة الـ 8 مليارات في وزارة التربية الا دليلاً على ما كان لبنان يستفيد منه. وكان الترويج الدعائي السياسي لفريق 8 آذار و”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” وحلفائه ضد اللاجئين مفضوحاً. وهنا تقول المصادر: “كان بإمكان هؤلاء الذين فاوضوا بشار الأسد على عبور الغاز المصري لحل مشكلة الكهرباء وموافقة الولايات المتحدة على ذلك، طرح موضوع اعادة السوريين من لبنان الا أن الطرف اللبناني لم يقل للأسد اننا لن ندفع لك أي فلس من الأموال لتمرير الغاز بل أنت يجب أن تدفع لنا على استقبالنا رعاياك عندنا فهم يستخدمون المياه والكهرباء والتدفئة وعليك التعويض علينا”.

أما عن واقع وجود السوريين في الجنوب، فتعتبر أن “السلوك مختلف، ففي حال الاعتداء على أحد المواطنين يذهب السوريون المرتبطون بعلاقات مع الثنائي وبقايا البعث ويتواصلون مباشرة مع القوى الأمنية ويتصرفون وكأنهم ممثلون عن النظام السوري ويهددون، وهؤلاء من المناطق المؤيدة للنظام، لكن الدولة غائبة والمؤسسات لا تعاقب”، مشيرة الى بروباغندا “النية المبطنة لتوطين السوريين ودس السم في العسل لتخويف الأقليات على قاعدة أن العنصر الديموغرافي لصالح السنة”.

وتشدد المصادر على أن “حل المشكلة يكون على قاعدة تثبيت أمن المواطن وحماية الأمن القومي اللبناني من خلال تفعيل دور المؤسسات الأمنية والبحث الفعلي في الوجود السوري القانوني وغير القانوني، بدل التصرف بردود فعل وضبط الأمور حتى لا نصل الى مواجهة سورية – لبنانية تعيد تأثير الوجود السوري، فالظاهر أن الدولة السورية لا تريد لملمة رعاياها وهي تفتح لهم الحدود عندما يقومون بمخالفات قانونية وتهدد أوروبا بهم من خلال الهجرة غير الشرعية”.

شارك المقال