التعطيل الحكومي… قنبلة على وشك الانفجار

هيام طوق
هيام طوق

في حال استمر الوضع على ما نحن عليه، فيمكن اختصار القادم من الأيام بالسوداوية والكارثية على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والمالية والاجتماعية والصحية في ظل إصرار طرف لبناني على مواقفه السلبية في مسار تأليف الحكومة، وهو اتخذ لمسيرته السياسية عنوان “التغيير والإصلاح”. لقد نجحوا في ذلك نجاحاً لا مثيل له في تاريخ الجمهورية اللبنانية. فالتغيير، كان جذرياً في يوميات اللبناني الذي كان يعيش الحياة بطولها وعرضها، أما اليوم، فأصبح همه الوحيد تأمين قوته اليومي حتى ولو على حبة زيتون، متمنياً أن يحالفه الحظ بكيلو سكر أو قارورة زيت حتى لو بعد مشكل مع أب يريد أن يسد جوع أطفاله مهما كلفه الثمن لذلك، وأن يوفقه الله بعلبة دواء أو كيس حليب لطفله من صيدلية حتى ولو “بآخر الدني”. أما الإصلاح، قائم على قدم وساق على المستويات كافة: عدالة، شفافية، محاسبة، قضاء مستقل، الليرة في أحسن أحوالها، خدمات حياتية وإنمائية من كهرباء ومياه ونفايات لا مثيل لها على مستوى العالم، نسبة البطالة لدى الشباب في أدنى مستوياتها، واللائحة تطول وتطول.

إنها الوعود المزيفة التي خيبت آمال اللبنانيين ومناصري “التيار الوطني الحر” قبل غيرهم، وضربت بعرض الحائط أحلامهم ببناء بلد يتمتع بمقومات الدولة الفعلية والتي يبحثون عنها في أصقاع الأرض. كل ذلك، يهون أمام المصالح الشخصية والمحافظة على المكاسب حتى ولو عاش البلد بمن فيه في قعر جهنم مئات السنين.

وسط هذا الوضع ذي الأفق المجهول، والتقارير الدولية والتصريحات العلنية وتلك التي يتم النقاش فيها في سرية تامة عن أن البلد ذاهب إلى الهلاك إذا لم تساهم الأطراف في تشكيل حكومة سريعاً، هل ستصح التوقعات بأن الجزء الثاني من 2021 ستكون فيه أبواب جهنم مفتوحة على مصراعيها، وأن كل ما عانى منه اللبنانيون خلال السنتين الماضيتين سيكون نقطة في بحر الأوجاع؟. ويبقى السؤال الذي أصبح على كل شفة ولسان، هل يجوز التفريط ببلد من أجل حصة من هنا أو ثلث معطل من هناك ؟. وهل أصبح بعض المسؤولين سلبيين إلى حد التنازل عن القيم من أجل الصغائر؟ فيصح عليهم المثل القائل: “الإيجابي يتمسك بالقيم ويتنازل عن الصغائر ‎والسلبي يتشبث بالصغائر ويتنازل عن القيم‎”.

منذ يومين، لفت رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى أن “لبنان على مشارف الانهيار الشامل وأنه في قلب الخطر الشديد”، مناشداً الدول الشقيقة والصديقة دعم لبنان وإنقاذه “قبل فوات الأوان”. بالموازاة، كتب الديبلوماسي الإيطالي السابق ومبعوث بلاده للسلام في سوريا والشرق الأوسط ماركو كارنيلوس، مقالاً نشر في موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني حذّر فيه العالم، بخاصة الدول السبع الكبرى، من تجاهل لبنان الذي وصفه بأنه “قنبلة موقوتة على وشك الانفجار”، لافتاً إلى أن “قادة مجموعة السبع تجاهلوا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في اجتماعهم الأخير، فانفجرت القنبلة وكانت لها آثار غير مسبوقة ولا تزال الآثار الكاملة غير معروفة، لكن لا يمكنهم تحمل ارتكاب الخطأ نفسه مع لبنان هذه المرة”.

في ظل هذه التحذيرات من خطورة الوضع الذي أصبح بمثابة قنبلة موقوتة ممكن أن تنفجر في أي لحظة، ما مصير البلد في حال لم تتشكل حكومة؟ وأمام أي سيناريوات سيكون اللبنانيون الذين يعيشون على وقع المشاكل اليومية؟ وما مدى إمكانية الإنقاذ الخارجي بعد تفشيل المبادرة الفرنسية وإهمال كل وساطات الإنقاذ؟. أسئلة توجه بها “لبنان الكبير” إلى عدد من المسؤولين الذين أكدوا أن عناد رئيس الجمهورية وصهره وتمسكهما بالثلث المعطل، سيودي بالبلاد إلى أسفل طبقة في جهنم، معتبرين أن البلد بات مفتوحاً على كل الاحتمالات من فوضى اجتماعية وأمنية إذا لم تتشكل الحكومة في أسرع وقت ممكن.

علوش: سنصل إلى أسفل طوابق جهنم

وقال نائب رئيس “تيار المستقبل” مصطفى علوش: “الحكومة الوحيدة التي يمكنها إحداث الفرق هي حكومة مؤلفة من اختصاصيين دون ثلث معطل، قادرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي وربما تستدرج بعض المساعدات. هذا السيناريو الوحيد لإنقاذ لبنان وأي سيناريو آخر سيأخذنا إلى الهبوط السريع في الهاوية”.

وفي حال فشل المسعى في تشكيل الحكومة، أشار إلى “أننا ذاهبون إلى حيث وعدونا، إلى جهنم. وحينها تكون كل الاحتمالات واردة، والانفجار الأمني والاجتماعي ربما يكون مؤكداً”.

ولفت إلى أن “المجتمع الدولي والأمم المتحدة وكل الدول الصديقة والشقيقة، حاولوا المساعدة ولكن لا جدوى. أنا برأيي العناد المرضي الموجود عند السلطة في لبنان، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، سيؤدي إلى الانفجار الذي سيتخذ على الأرجح شكل سلسلة من التصعيد غير المنظم، تتحول إلى شغب عام ومن ثم لا نعرف إلى أين تتدحرج الأمور”، مؤكداً أن “لا حرب أهلية لأن هناك طرفاً واحداً يملك السلاح وقادراً على الحرب وهو “حزب الله”، لكن الأطراف الأخرى وبالأخص في المناطق ذات الأكثرية السنية، ستشهد عنفاً أعمى ليس حرباً إنما شوارع تملؤها الفوضى”.

وأعرب عن عدم تفاؤله بتشكيل الحكومة “حيث إن كل الوساطات فشلت في إقناع رئيس الجمهورية أن يتخلى عن الثلث المعطل، وبالتالي لا أرى أن هناك حكومة إلا إذا قرر الرئيس المكلف سعد الحريري الاعتذار حينها لكل حادث حديث”.

واعتبر علوش انه في حال بقيت الأمور متأزمة “سنصل إلى أسفل الطوابق في جهنم”.

حمادة: لم أرَ أفظع من هذا الوضع

وأكد عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب المستقيل مروان حمادة أن” خطورة الوضع في لبنان تخطت موضوع تشكيل حكومة أو عدمه لأن القضية المطروحة هي قضية مصير لبنان ووجوده وهويته، ونظام لبنان أصبح الموضوع الأساسي، وما جرى خلال الساعات الماضية من تصرفات نابعة من رأس الحكم، أكدت على أننا نفتش على طوابق أسفل في جهنم التي وعدونا بها”.

وشدد على أن ” ما تلاه الرئيس حسان دياب أول من أمس، هو بمثابة وثيقة اتهام تلخص ما وصل إليه عهد رئيس الجمهورية ميشال عون. الجردة التي تناولها وأنهاها بنداء استغاثة لأشقاء وأصدقاء لبنان، وفي كل النقاط التي تطرق إليها، ناتجة عن العقلية السائدة في بعبدا، وعن التصرفات التي يقوم بها المستشارون وعلى رأسهم جبران باسيل، وعن الحقد الكامن داخلهم تجاه اتفاق الطائف والدستور، وتجاه كل من لا يشاطرهم الرأي في السياسة التي جروا إليها لبنان في الأعوام الأربعة الماضية”.

وعمن يقولون إن لبنان أصبح قنبلة موقوتة ستنفجر في أي لحظة، رأى حمادة أن “لبنان ليس فقط قنبلة موقوتة، بل بدأ العد العكسي يقترب من لحظة الانفجار الذي سيكون في كل الاتجاهات لأن كل شيء في خطر. الإدارة مشلولة، مجلس القضاء الأعلى بلا نصاب، مجلس شورى الدولة يرتكب الخطأ تلو الآخر، الانقسام في المجلس النيابي الذي وصل إلى حد أن لا فارق يذكر بين وجوده واستقالة أعضائه. فعلاً ما تبقى بعض الأمن الذي ندين به إلى الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي ليست بمنأى عن التآمر لأنه عند استهداف الميثاق والدستور، تصبح كل المؤسسات في البلد بخطر”.

وأشار إلى أن “الانفجار يمكن أن يكون على شكل انفجار اجتماعي أمني لأننا نعيش في مرحلة الانهيار الاقتصادي، ونشهد على هجرة أعداد كبيرة من الشباب، والجوع يضرب في شرائح كبيرة من المجتمع”، مشدداً على “أنني لم أرَ أفظع من هذا الوضع َ في كل حياتي المهنية والسياسية”.

ولفت إلى أن هناك مسؤولين في البلد يعون خطورة المرحلة، منوها “بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومحاولات البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وصمود الرئيس المكلف سعد الحريري. كل ذلك يدل على أن مكمن الخلل والخطر موجود في قصر بعبدا حيث إن الرئيس وصهره يجران البلد نحو الخراب”.

حبشي: فوضى أمنية إجتماعية لا نعرف نتائجها

واعتبر عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب أنطوان حبشي أن “كل الاحتمالات مطروحة، وعندما تكون الأمور حرجة إلى هذا الحد، والناس المولجة إيجاد الحلول لا تقوم بدورها ولا تتحمل مسؤوليتها، تصبح الآفاق مفتوحة على كل الاحتمالات”.

ولفت إلى أنه “يتبين أن لا حلول سياسية في الافق القريب، وبالتالي عودة الناس إلى الشارع أمر وارد، ولا نستسهل امكانية حصول فوضى اجتماعية أمنية لا نعرف نتائجها وماذا ستكون تداعياتها لأن الناس متوترة. نحن في المجهول “، مستبعدا “حصول حربا أهلية لأن الكل يرفضها، لكن طالما الانسداد بأفق الحلول كبير، لا نعرف الفوضى إلى أين تصل، لذلك علينا أن نعرف أن صمام الأمان هي مؤسسة الجيش اللبناني التي كما تقوم بدورها بميزان من ذهب يجب أن تكمل بهذا الدور”.

واستغرب ” في هذا الوضع الحرج أن بعض المسؤولين أو الصحف يصوبون على الجيش كأنه عدو. هذا ليس مقبولاً ويفاقم وضعنا الحرج في وقت يجب أن تكون المؤسسات الأمنية خارج الصراع والتجاذب السياسي، وتكون ضابط الإيقاع على المستوى الأمني كي لا نصل إلى المحظور”، منوهاً بدور “مخابرات الجيش التي تعمل منذ حوالي الخمسة أشهر بشكل فعال على الأرض لضبط التهريب في البقاع إلا أن المسألة ليست كافية لأنها تتطلب قراراً سياسياً”.

وعن إمكانية المساعدة الخارجية لإنقاذ لبنان، رأى حبشي أنه “بمجرد التعويل على أي طرف خارجي يعني أننا لا نريد حلاً للأزمة، ونكون نضيّع البوصلة. إما أن نقرر مصيرنا بأيدينا أو لا يحق لنا الوجود. لا أنتظر الحل من الخارج لأن أي طرف داخلي لا يريده، سيعمل على تخريبه، وأكبر دليل على ذلك المبادرة الفرنسية، مع كل الدعم الذي حصلت عليه، أغرقوها في تفاصيل سخيفة “، متسائلاً: “كيف نريد من الدول العربية أن تساهم مالياً في إنقاذنا، ونذهب لنحارب على أرضها؟”.

وأشار إلى أن ” الأمور تجري وكأننا نلعب، إذ لا مسؤولية ولا أي منطق عقلاني. إنها الهستيريا التي تبدأ من أعلى السلطات إلى أسفلها. السلطة الحاكمة أصبحت موجودة خارج المنطق وكأننا في مسرحية سريالية”.

واعتبر أن “أفضل الحلول الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، لكن للأسف أغلب المسؤولين لا يؤيدون هذا الطرح، في وقت أن هذا هو الحل الحقيقي الذي بقدر ما نسرّعه بقدر ما نسرّع في إعادة تكوين سلطة تتحمل مسؤولياتها”.

ولفت حبشي إلى أن “ما من بلد في العالم يعاني من أزمة سياسية خانقة إلا ويحتكم للشعب. لماذا الخوف من الشعب؟ لأنهم أعداء هذا الشعب”، مشدداً على “الوعي لدى الشعب لإنتاج سلطة متناغمة مع وجعه وبإمكانها إيجاد الحلول لأزمته”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً