سيناريوهات سد الفراغ… أسيرة مربط خيل “حزب الله”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بات من الواضح أن الفراغ الرئاسي أصبح فراغاً مصطنعاً، من صنيعة “حزب الله” الذي ينفذ ما يريده الولي الفقيه، فالورقة البيضاء التي يصوّت بها فريقه، هي دعوة غير ديموقراطية الى التوافق على تسمية مرشحه غير المعلن سليمان فرنجية بحجة أنه يحمل صفات الرئيس إميل لحود ويحمي مقاومته، فهو يروّج للتوافق بطرق غير قانونية، ظاهرها بريء وداخلها مفخخ، بالحديث عن الاتفاق معه على انتخاب مرشحه، وليس الاتفاق مع القوى السياسية على صناعة محلية لرئيس يحمي لبنان وكل مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية للخروج من النفق المظلم الذي وضع لبنان فيه الحزب وعهد حليفه العوني الذي حمى المقاومة بإحراق البلد في نار جهنم، ومن هنا أدخله الحزب في أزمة حقيقية عنوانها الفراغ.

وما زاد الطين بلة هو موقف خامنئي الذي اعتبر أن الوجود الايراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن حمى طهران من الضربات الأميركية لأن المطلوب رأس ولاية الفقيه، وهذا إعلان واضح أمام العالم أن إيران تحتل هذه البلدان من أجل التفاوض عليها، وأن الإيراني لا يريد تسهيل أمور الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان الواقع في الأسر، طالما لا يتفاوض الغرب معه ليؤمن مصالحه النووية وغيرها، ومن هنا صارت طريق الرئاسة في بيروت لا تمر إلا عبر طهران كونها اللاعب الأساس على الأرض. والواضح أن المطلوب في لبنان رئيس صنع في إيران لخدمة أجندتها السياسية والدولية، وعلى هذا الأساس تتم دعوة الولايات المتحدة الى التفاوض مع نظامها لتسهيل أمور اللبنانيين، والتفاوض مع “حزب الله” لانتاج تسوية جديدة لست سنوات مقبلة.

كما زاد الطين بلة تصريح بشار الأسد بأنه لا يمانع انتخاب سليمان فرنجية ويدعم موقف “حزب الله” بكونه حليفاً وشريكاً له في مقاتلة الارهاب في سوريا، وهذا يعني أن الأسد لم يؤيد إنتخاب فرنجية والوصول الى تسوية مع الحزب وحسب، بل أكد احتلال سوريا وأن النظام صار جزءاً من المنظومة الايرانية وسياسته تدار من طهران.

حسب مؤشر ميزان القوى في المجلس النيابي، لا يمكن لأي فريق تأمين نصاب لانتخاب رئيس ولا يمكن أن تكون الانتخابات حرة وتنافسية كما حصل في انتخابات العام 1970 بين سليمان فرنجية والياس سركيس، وكان التنافس ديموقراطياً، وبالطبع من الواضح اليوم أنه لا يمكن تطبيقها، في ظل برلمان مأسور وكتل نيابية تربط قرارها بإنتاج صفقة ملء الشغور الرئاسي من الخارج.

يعلم “حزب الله” أن الوضع لا يسمح بإنتاج تسوية اذا لم يحصل اتفاق أميركي – إيراني على إسم الرئيس العتيد، لذلك يحاول في مجالسه وخطاباته اللعب فيغازل “القوات اللبنانية” والمستقلين والبطريركية المارونية للاستهلاك، بينما يعلم أن حليفه الفعلي الذي يؤمن له التغطية المسيحية هو “التيار الوطني الحر” ولذلك “يزكزك” جبران باسيل بإمكان ايصال مرشح بالتوافق ولا نريد حليفاً يفرض علينا شروطه.

التعطيل هو من صناعة “حزب الله”، الذي لوّح بصياغة اتفاقات دستورية وبدور جديد لاتفاق الطائف، ولكن عندما أسقطت الفكرة جاء تصريح نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم ليتبرأ منها، سائلاً: “من قال إننا نريد تعديل الطائف؟”، أي انقلب الحزب على فكرته عندما لم يجد من يؤيده فيها، حتى من أقرب حلفائه في فريق الممانعة. “حزب الله” لم يستطع الذهاب الى معادلة تغيير الدستور فيذهب الى معادلة أخرى باحتجاز رئاسة الجمهورية وتعطيل البلد والذهاب من الفراغ الدستوري الى فراغ أمني يفرض على الجميع التنازل من أجل ضبط البلد وتوجه النواب بالطبع نحو خياراته الرئاسية والتوافق على مرشحه بصياغة تسوية وفقاً لشروطه ومن دون نقاش، ومن هنا تبدو مثل هذه الترهات المقترحة أنها لن تنقذ البلد بل ستنقذ الحزب من أزمته وتؤمن وجوده بحماية من رئيس بعبدا، وتسلمه البلد لمدة ست سنوات مقبلة ريثما يظهر ما سيحصل مع ايران ليجري لاحقاً الحديث عن صيغة حكم جديدة.

يحاول فرنجية تأمين نفسه من خلال الثنائي الشيعي، وهناك اتهام للرئيس نبيه بري بممارسة تقطيع الوقت وتنفيذ شروط ايران بالخضوع لهذا الفراغ وتفسيراته التي يقدمها الى النواب من دون العودة الى فقهاء الدستور للمواد المتعلقة بكيفية انتخاب الرئيس، سواء بثلثي الأصوات أو بالنصف زائد واحد، واصراره على الثلثين يعني انتظار النواب حتى يأتوا الى خيارات “حزب الله”، تحت شعار “بتمشوا معي بيمشي البلد، ما بتمشوا معي الفراغ مستمر وستدفعون ثمنه، من تفجيرات أمنية وإنهيارات اقتصادية واجتماعية”، وليس من أحد لا يدرك أن “حزب الله” لم يتخذ أي مواقف مساعدة للبنان في أزمته بينما يتباهى أمينه العام بـ “أننا جنود ولاية الفقيه ونتنفس من ايران ونتقاضى الأموال منها”، حتى أنه هدد في خطابه الأخير بأنه “اذا لم تأتوا برئيس يحمي ظهر المقاومة، والمقاومة ليست بحاجة الى من يحميها، فسنذهب الى الحرب الأهلية”.

لبنان اليوم ينتظر رئيساً يعيد له دوره وموقعه في العالم العربي والعالمي، وكانت المملكة العربية السعودية واضحة في عدم تقديم أي دعم لرئيس، مالي وسياسي، ولن تسهل الأمور لرئيس من صناعة “حزب الله”، وهذا الموقف عبّر عنه وليد جنبلاط من خلال تمسكه بترشيح ميشال معوض، وعدم انتخاب شخصية لا تنال ثقة الدول العربية، بغض النظر عن علاقة جنبلاط بحليفه الرئيس بري.

كذلك حاول الرئيس نجيب ميقاتي القول بأن ليست لديه كتلة نيابية وهو لا يستطيع استمالة الصف السني نحو انتخاب فرنجية، والواضح أن أي تسوية لن يكتب لها النجاح من دون الأخذ في الاعتبار موقف السعودية، ومن هنا حظوظ فرنجية قد تتبخر ان لم تحصل صفقة كبرى بين أميركا وايران، ولكن على ما يبدو فان هذه الصفقة لن يكتب لها النجاح فالعلاقات بين الطرفين في حالة توتر متزايد وبالتالي باب الفراغ مشرّع على مصراعيه.

والواضح أن ايران تقصي دور السياسيين الموارنة في انتاج رئيس الجمهورية، وحسن نصر الله لم يكن غبياً عندما قال بتكرار تجربة اميل لحود أو ميشال عون فهو يريد رئيساً صورياً، ومع ذلك يقدم الحزب اشارات الى الدول الأوروبية حتى لا تفرض عقوبات على ايران بعد تصاعد الانتفاضة، من نوع زيارة وفيق صفا الى قائد الجيش جوزيف عون واللعب على وتر عدم الاعتراض على الاتيان به رئيساً، وهذا ما زلّت به بعض الألسنة النيابية وقد تكون رسالة غير ثابتة، مترافقة مع أحاديث عن مبادرة قطرية في هذا المجال، وسعي الى توافق أوروبي – أميركي على قائد الجيش والافراج عن المساعدات، علماً أن “حزب لله” يحلو له اللعب في الوقت الضائع هنا وهناك لكن استراتيجيته واحدة ومربط خيله ايران أولاً وأخيراً.

شارك المقال