هل تنفّذ “القوات” Plan B لكسر الجمود الرئاسي؟

جورج حايك
جورج حايك

تكوّنت لدى”القوات اللبنانية” قناعة راسخة بأن محور الممانعة الذي يقوده “حزب الله” في لبنان أوصل الاستحقاق الرئاسي إلى طريق مسدود، منتظراً الوحي “الاقليمي والدولي” للبيع والشراء أو لتسويق مرشّحه الذي يبدو واضحاً أنه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي تعوق ترشيحه علنياً بالدرجة الأولى خلافات داخل الجبهة الواحدة وفي طليعتها ممانعة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يعتبر نفسه الأكثر تمثيلاً مسيحياً.

لم تقصّر “القوات” في ممارسة واجبها الدستوري فهي أول من دعت إلى اجراء الانتخابات الرئاسية في مطلع المهلة الدستورية، وأول من دفعت مع المعارضة لوضع مواصفات الرئيس العتيد، وأول من تبنّت ترشيح أكثرية المعارضة للنائب ميشال معوض، وكانت أول من نزل إلى المجلس النيابي بمرشّح واضح الملامح وضمن معايير الرئيس السيادي، الانقاذي والاصلاحي. وعندما اصطدمت بإدارة عقيمة لجلسات انتخابية يديرها الرئيس نبيه بري، دعت إلى دورات انتخابية متتالية لانتخاب الرئيس، ورفضت الحوارات غير المجدية التي اختبرتها في مراحل سابقة مع “حزب الله” وحلفائه، لأنها حوارات فولكلورية ترمي إلى تغطية التعطيل بمشهدية صورية، واقترحت استبدال الحوار الجماعي بحوارات ثنائية بين دورة انتخابية وأخرى تساهم في تسريع العملية الانتخابية.

وعلى الرغم من تمسّك “القوات” بالدستور، يبادر البعض إلى اتهامها بأنها تتبنى مرشّح تحدّ، علماً أن ميشال إبن رينيه معوض لم يكن يوماً من مدرسة التحدي، وكان في الانتخابات النيابية على طرف نقيض من “القوات”، وبالتالي كان للأخيرة مرشحها الطبيعي وهو رئيسها سمير جعجع، فتنازلت عن ذلك وقبلت بمعوض كمرشّح يمثّل أكثرية أطياف المعارضة.

أمام حالة تكرار الجلسات العقيمة، بدأت “القوات” بسلسلة اجتماعات مطوّلة للبحث في خطط بديلة لكسر حالة الرتابة الرئاسية، ومواجهة ممارسات قوى 8 آذار التعطيليّة بوضع الشعب اللبناني أمام خياري الشغور أو رئيس ممانع، والعمل على إبقاء هذا الاستحقاق رهن تدخلات خارجية أو تحريكه من البوابة الأمنية.

وتتمحور النقاشات الداخلية لـ “القوات” حول كيفية كسر “مومنتوم” الشغور والدفع الى انتخاب رئيس للجمهورية، لأن ما يفعله بري يُفقد الدستور روحه، وبدلاً من الانتظام الدستوري ينصرف فريقه السياسي إلى التعطيل المؤسساتي، ولا يبدو أن المجلس “سيِّد نفسه”، بل عليه أن يُثبت ذلك بالفعل وليس بالمزايدة الفارغة من مضمونها وبممارسة تخالف أبسط قواعد الأنظمة الديموقراطية: احترام إرادة الناس، والتقيُّد بالمهل الدستورية.

إذاً، تظهّر الـPlan B بعد نقاشات “القوات”، وسيكون جوهره الاعتصام في مجلس النواب وإطلاق دورة الحياة الدستورية والسياسية، أي توافد جماهير كبيرة من 14 آذار و17 تشرين من أجل التظاهر أمام البرلمان من خلال Sit-in مفتوح إلى أن يُنتخب رئيس الجمهورية العتيد، لأن المواجهة المتاحة اليوم والمطلوبة تكمن في تحصين المؤسسات من عدوى الممانعة التي دمّرت لبنان ومؤسساته.

في موازة ذلك، تشمل الخطة توحيد مكونات المعارضة بما يخوِّلها ولوج عتبة النصف + 1 (65 نائباً) ويمكِّنها من إدخال الفريق المعطِّل إلى قفص الاتهام ووضعه في مواجهة الرأي العام اللبناني والرأي العام الدولي والمرجعيات الروحية، الأمر الذي يحرِّك الركود الرئاسي ويدفع باتجاه انتخاب الرئيس العتيد. وتلتقي خطة “القوات” مع مبادرة أعلن عنها الأسبوع الفائت النائب نبيل بدر وبدأت تترجم بلقاءات مع “القوات” والشخصيات السيادية مثل ميشال معوض وأشرف ريفي وفؤاد مخزومي، إضافة إلى الحزب “التقدمي الاشتراكي”، والهدف انتاج مرشّح توافقي تتفق عليه المعارضة.

هذه المبادرة ستفرز قوى المعارضة بين قوى تفعيل تتمثّل بالأحزاب والشخصيات السيادية وبعض التغييريين، وقوى تعطيل تتمثّل ببعض النواب التغييريين والمستقلين الذين يخدمون قوى الممانعة، وهنا المصيبة الكبرى.

ومنعاً للالتباس، تعتبر “القوات” نفسها قوة تفعيل لا قوة تعطيل، وأن استخدامها سلاح التعطيل يكون في سياق العملية الانتخابية تحسيناً لشروط المعركة الرئاسية ومتطلباتها وليس تعطيلاً للحياة السياسية والاستحقاق الرئاسي، وفي حال لم تفلح في تفكيك الكتلة النيابية الصلبة للفريق الآخر اذا نجح في توحيد صفوفه، تنصاع إلى الإرادة النيابية، وتحمِّل من انتخب الرئيس الممانع مسؤولية انتخابه، وتواصل دورها من مربّع المعارضة من دون منح العهد الجديد أي فرصة، لأن الممانعة حكمت وتحكمّت والنتيجة واضحة للعيان.

من الخطيئة والجريمة التعميم ووضع البرلمان في سلة واحدة، لأن هناك من يصرّ على المشاركة في جلسات الانتخابات الرئاسية ويفعل المستحيل لانتخاب رئيس للجمهورية، وهناك من يصرّ على الشغور، ومن الجرم مساواة هذا بذاك. فـ”القوات” تشعر بوجع الناس، وتشاركهم الانطباع بأن الجلسات الأسبوعية لانتخاب رئيس تحولّت إلى مسرحية مُمِلِّة من دون نتيجة ولا تحمل أي جديد ولم تعد محط متابعة، بل مناسبة للانتقاد وصورة تعكس عجز مجلس النواب المنتخب حديثاً عن تحمُّل مسؤولياته في انتخاب الرئيس العتيد.

لذلك، لا تتجاهل “القوات” هذا الانطباع ولا تتعامل معه بخفِّة كونه يستند إلى صورة تتطلب تغييراً، والـPlan B أصبح جاهزاً وربما سيكون موعد تنفيذه في مطلع السنة المقبلة، لتجنيب البلاد أي توتّر خلال الأعياد.

شارك المقال