بريطانيا وإشكالية الهجرة: هل يتغير النظام؟

حسناء بو حرفوش

طرح نيك تيموثي، الرئيس السابق لديوان رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، إشكالية الأرقام القياسية للهجرة إلى المملكة المتحدة، في مقال بموقع “تلغراف” الالكتروني البريطاني. وركز في قراءته على أن “التغيير التدريجي لن يعالج الارتفاع القياسي في الأرقام، ووحده التغيير الجذري لنظام الهجرة نفسه الذي سيسمح بالحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد”.

وحسب تيموثي، “يستمر المهاجرون في التدفق إلى بريطانيا بينما تبدو الحكومة، عاجزة عن منعهم. وهذا ما يؤكده وصول 44 ألف شخص إلى المملكة المتحدة هذا العام، على الرغم من الصفقات والمعاهدات الموقعة ونشر عناصر البحرية الملكية، الخ. وارتفع عدد الأشخاص الذين يعبرون القناة بأكثر من 160% مقارنة بالعام الماضي، ثلاثة أرباعهم من الذكور البالغين، وتقل أعمار الغالبية العظمى منهم عن 40 عاماً. وفي حين أن بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وهولندا، لا يقبل أي طلبات لجوء من الألبان، فإن معدل القبول في بريطانيا هو 55%.

هذا يعني أن نظام اللجوء في بريطانيا مرهق للبلاد. وفي الأصل، يبلغ عدد القضايا المتراكمة حتى الآن 160 ألفاً. وانخفض عدد الحالات التي عولجت في غضون ستة أشهر إلى 10% فقط. وتنفق المملكة المتحدة نحو 6 ملايين جنيه إسترليني يومياً على فواتير الفنادق وحدها، وتضاعف إجمالي فاتورة اللجوء ثلاث مرات إلى 2.1 مليار جنيه إسترليني سنوياً، وهو مبلغ يكفي لدفع أجور 62 ألف ممرض. ويبدو أن الحلول المقترحة من العديد من الخبراء والنشطاء والبرلمانيين ستزيد من تفاقم المشكلة، بحيث يصر كثر على أن الحل يقتضي إنشاء المزيد من (الطرق الآمنة والقانونية”) لطالبي اللجوء للقدوم إلى بريطانيا بصورة قانونية. ولكن توسيع هذه الطرق للسماح لمزيد من التقديم للمجيء إلى هنا من بلدان أخرى من شأنه أن يزيد الأعداد. وبالمثل، لن يؤدي السماح لطالبي اللجوء بالعمل أثناء معالجة قضيتهم إلا لتشجيع المزيد من المهاجرين على محاولة السفر إلى بريطانيا. ويعد سوق العمل غير المنظم وسوء تطبيق القانون عامل جذب مهم بالفعل، والدافع بالنسبة الى العديد من الألبان على وجه الخصوص للمجيء إلى هنا هو العمل، بصورة قانونية أو غير ذلك. إن منح الحق في العمل هو وصفة تضاعف الهجرة غير الشرعية”.

ويضيف تيموثي: “لا بد من توضيح أننا نتحدث عن الهجرة غير الشرعية. كثيراً ما يقول النشطاء إن طلب اللجوء ليس (زائفاً)، وأنه لا يمكن لأي إنسان أن يكون (غير قانوني). لكن هذه الحجج مجرد حجج. يعتبر دخول البلاد من دون إذن للقيام بذلك، وإتلاف وثائق الهوية عند الوصول إلى هنا، جريمة جنائية. وتسمح اتفاقية اللاجئين للاجئين الذين يدخلون دولة بصورة غير قانونية بطلب اللجوء، ولكن هذا يعني حصراً أولئك القادمين (مباشرة) من مكان تتعرض فيه حياتهم أو حريتهم للتهديد.

تغيير النظام بأكمله

إذاً، ماذا الذي يمكن للوزراء القيام به؟ نقترح تغيير النظام بالكامل والتعلم من التجارب التي نجحت بصورة جيدة، كما حدث أثناء أزمة اللاجئين التي سببتها الحرب الأهلية السورية، كما نوصي بإنشاء طرق مخصصة لاعادة التوطين نجلب من خلالها الأشخاص المستضعفين إلى بريطانيا. أما بالنسبة الى أولئك القادمين إلى البلاد بصورة غير قانونية، وبالنسبة الى أولئك الذين يسافرون من بلدان آمنة، نوصي بقوانين جديدة تمنع المهاجرين من الاستقرار في بريطانيا. يجب على الوزراء عدم خرق اتفاقية اللاجئين وإرسال المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية إذا كان ذلك خطيراً. ولكن بمجرد وصول المهاجر بصورة غير قانونية، يجب احتجازه ومن ثم إتاحة الاختيار بين العودة إلى وطنه، وهو خيار غالباً ما يكون آمناً تماماً، كما هو الحال مع ألبانيا وإرساله إلى رواندا أو أي دولة أخرى، دولة ثالثة يمكن لبريطانيا أن تعقد معها معاهدة لمعالجة طلبات اللجوء في الخارج.

ومن شأن ذلك القضاء على الحافز للسفر وعلى نموذج الأعمال الخاص بالعصابات الإجرامية التي تسهل الرحلات. لكن بالطبع هناك حواجز يجب التغلب عليها، مثل حجم منطقة الاحتجاز وإبرام صفقات مع دول بالإضافة إلى رواندا للتأكد من أمن الحدود، وإنفاق الأموال. كما ينبغي تغيير قوانين حقوق الانسان. وهناك إجراء آخر ضروري، التعاون مع فرنسا والدول الأوروبية الأخرى من أجل اعتراض المجرمين الذين يجعلون الهجرة غير الشرعية ممكنة. ويحتاج قانون العبودية الحديثة إلى الاصلاح مع الحفاظ على هدفه التأسيسي. نحن بحاجة إلى تطبيق أفضل للقانون، وسوق عمل أكثر تنظيماً واستخدام بطاقات الهوية.

أخيراً، لا تستطيع بريطانيا تحمل الهجرة غير الشرعية وأزمة اللجوء التي ما كان بالامكان تصورها في السابق والتي حققت أرقاماً قياسية من أوكرانيا وهونغ كونغ، انتهى وقت التغيير التدريجي وحان الوقت لتغيير النظام بأكمله!”.

شارك المقال