باسيل يهوّل بحقوق المسيحيين لتأمين حصته في العهد الجديد

زياد سامي عيتاني

ثمة إجتهاد قانوني إبتدعه أبرز الفقهاء القانونيين في الدول التي تتمتع بالعراقة القانونية، يعرف بـ “القوة القاهرة” (la force majeure). يكتسب هذا الاجتهاد في الظروف الاستثنائية والقاهرة قوة القانون، بهدف التدخل للجم خطر ما، على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.

الهدف من هذا التوضيح، هو تجنب أخذ موقف من مدى دستورية جلسة حكومة تصريف الأعمال من عدم دستوريتها، إزاء ضجيح السجالات حولها، في وقت يرزح فيه المواطن اللبناني تحت وطأة الجوع والعوز وغياب الحماية الاجتماعية والصحية، مما يستوجب وعلى الرغم من الشغور الرئاسي الذي يتبعه شلل في عمل المؤسسات، إيلاء الأمن الاجتماعي للناس الأولوية على ما عداها من قضايا سياسية خلافية، لا سيما وأن كل المعطيات تشير إلى أن الأزمة المستفحلة مرشحة ليطول أمدها.

إلا أن التيار “العوني – الباسيلي” النرجسي، المختصر بالنائب جبران باسيل، المستقيل عن الواقع وعن معاناة الناس، والمأزوم والمعزول سياسياً، شنّ حملة شعواء على الدعوة الى الجلسة، بحجة “الميثاقية و”حماية حقوق المسيحيين”، معتبراً إياها مخالفة للدستور، وفاقدة للشرعية الميثاقية، وتسلب صلاحيات موقع رئاسة الجمهورية الشاغر!.

وهذا الموقف المتباكي لباسيل، يندرج في سياق براعته في إستجداء العطف الشعبي من خلال طروحاته ومزايداته الفئوية والعنصرية، التي تستحضر دوماً الخطاب الطائفي المقيت، على الرغم من أنه يعتبر المستفيد الأكبر من الفراغ الرئاسي، من خلال محاولة فرض نفسه حيثيّة مسيحية لا يمكن تجاوزها في إستحقاق الرئاسة في تسمية الرئيس، بعدما فقد كل الآمال بوصوله المستحيل إلى سدة الرئاسة، الأمر الذي دفعه الى الاعلان سابقاً عن “ترفعه” عن الترشح، على الرغم من إمتعاض “حزب الله” وقتها من هذا الموقف المستعجل، ليس لأن المجال لا يزال متاحاً أمام جبران، بل لأن الحزب خسر إحدى “أوراق” مناوراته

لكن الجديد اللافت في موقف باسيل، أن الأزمة السياسية التي إفتعلها ليست كما جرت العادة مع رئيس الحكومة السني، الذي يتهم كل من يتبوأ هذا المنصب بالتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال التلميح مباشرة وبالتواتر الى وجود مؤامرة (!) سنية -شيعية، بين الثنائي الشيعي والرئيس نجيب ميقاتي لوضع اليد على مجلس الوزراء والاستئثار بالسلطة التنفيذية.

بالتأكيد ليس مستغرباً تصويب باسيل على الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، فخلافه معهما مستفحل ومستحكم، وإن كان مضطراً لزواج الضرورة معهما.

إلا أن إقحامه “حزب الله” في المؤامرة المزعومة على المسيحيين، سابقة خطيرة بين طرفي إتفاق “مار مخايل”، بعدما شكل تياره السياسي بموجب هذا الاتفاق الغطاء المسيحي (خلافاً لارادتهم) للحزب وسلاحه في الهيمنة على كل مقدرات الدولة ومصادرة قرارها، مما تسبب فعلياً بسلب صلاحيات رئيس الجمهمورية، وأطاح بشعار “الحرية والسيادة والاستقلال” الذي لطالما تباهى به، على الرغم من أن مؤسس التيار “العوني” (الرئيس السابق للجمهورية… ولتياره ربما) تمنى لو كان جندياً في الجيش السوري.

السؤال الذي يتبادر فوراً إلى الأذهان: هل قرر باسيل فسخ عقده مع الحزب؟ وهل هو قادر على دفع البند الجزائي؟

لا شك في أن من المبكر الاجابة عن هذا السؤال، كذلك، فإن الخلافات التي تطل برأسها بين الحين والآخر بين الطرفين، وعلى الرغم من تراكمها، وتطورها مؤخراً، فإنها حتى الساعة لم تصل إلى مرحلة الطلاق “الشاق” عندما يكون “الزواج مارونياً” مكللاً في كنيسة مار مخايل.

فباسيل يدرك أنه يعيش عزلة سياسية، والجميع تقريباً ضده، ولم يبقَ له من حليف سوى “حزب الله”، من دون أن يعني ذلك أن طريق حارة حريك سالكة أمامه كممر الى قصر بعبدا، مما يبقي تحالفه مع الحزب ضرورة له ولتياره، كي يحظى بالدعم الذي يحتاجه، ويتمكن من التفاوض مع الرئيس العتيد عندما تنضج ظروف إنتخابه محلياً وخارجياً، من أجل الاطمئنان الى حصته من العهد الجديد، كرئيس لأكبر كتلة مسيحية في البرلمان.

في المقابل، فإن “حزب الله” لا يسقط من حساباته الحاجة الى إستثمار باسيل كورقة ضغط لفرض مرشحه للرئاسة، وبالتالي إستخدامه لإملاء شروطه على هذا المرشح، التي تؤمن له الضمانات التي إعتاد فرضها على كل رؤساء الجمهورية والحكومة، حماية لظهره، للتمكن من الإنصراف مطمئناً الى الملفات المكلف بها إيرانياً في لبنان والاقليم. وهذا ما يجعله محتفظاً بباسيل ليس كغطاء مسيحي له وحسب، بل كحليف مهما إنحرف خطابه السياسي، لحاجته إليه كأداة يحركها كما تشتهي “سفنه” السياسية.

لذلك، فإن التصعيد “الباسيلي” لا يعدو كونه مجرد تهويل إبتزازي، للتفاوض على ضمان حصته في العهد الجديد، تحت شعار معركته الدائمة: “حقوق المسيحيين”، إشباعاً لجشعه السلطوي الذي لا حدود له، في وقت تحتضر فيها الجمهورية، مما يجعل من إنتخاب رئيس لها، لزوم ما لا يلزم.

شارك المقال