محاولة انقلاب في ألمانيا… من هم “مواطنو الرايخ”؟

محمد شمس الدين

خبر لا أحد يتوقع أن يسمعه: محاولة انقلاب في ألمانيا… وعادة أخبار كهذه لا تأتي من الدول الكبرى، بل من العالم الثالث فقط. فقد أعلنت السلطات الألمانية عن حملة مداهمات في 11 ولاية أدت إلى توقيف 25 شخصاً من مجموعة تدعى “مواطنو الرايخ”، وهي مجموعة لا تعترف بالدولة الألمانية منذ سقوط النازية، وفق صحيفة “دير شبيغل”، والمشتبه بهم متهمون بأنهم يخططون منذ العام 2021 للقيام بأعمال تستند إلى أفكارهم ومعتقداتهم، مثل شراء المعدات والتدريب على استخدام السلاح، وكذلك التجنيد من أجل قضيتهم. ولفتت المخابرات الألمانية الى أن التركيز كان على أعضاء الشرطة والجيش لتجنيدهم، واعتبرتهم السلطات الألمانية جماعة ارهابية هدفها الاطاحة بالدولة الألمانية وتثبيت نظام حكمها، فمن هم “مواطنو الرايخ”؟ وهل كانوا فعلاً يخططون لانقلاب في ألمانيا؟

مجموعة “مواطنو الرايخ” عبارة عن مجموعات ألمانية، ضد السياسة التي تتبعها الدولة الألمانية، وكانت مجموعات صغيرة، لديها وجهة نظر أن ألمانيا التي تعترف بها هي الامبراطورية الألمانية التي تأسست عام 1871 وحتى سقوط ألمانيا في الحرب العالمية الثانية عام 1937، وتعتبر أن بعض المناطق من بولندا وفرنسا هي أراضٍ لا تتجزأ من الامبراطورية الألمانية، وأن ألمانيا محتلة من العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وهي مناهضة لفكرة الصهيونية، ومعادية لليهود بصورة كبيرة، وتمتنع عن دفع الضرائب للدولة الألمانية ولا تمتثل لسلطاتها القضائية، وقد شهدت ألمانيا مشادات بين هذه المجموعة وبين الدولة، وربما الأبرز كانت في العام 2016 عندما اتهم أحد أعضاء “مواطنو الرايخ” بقتل ضابط في الجيش الألماني، وقد تم حظر نشاطها وأعمالها ومنعت من التظاهر.

المحلل السياسي المتابع للشؤون الأوروبية رضوان قاسم رأى في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “هناك تعاظماً لشعبية (مواطنو الرايخ)، فحسب إحصائيات الاستخبارات الألمانية منذ بضع سنوات، وصل عددهم إلى 19 ألف منتسب، وتستمر أعدادهم في الازدياد بصورة سريعة بسبب الوضع الاقتصادي الذي وصلت إليه ألمانيا في الآونة الأخيرة، وبعد دخول عدد كبير من الأجانب إليها، وخصوصاً الأوكرانيون، وازدادت الكراهية ضد الأجانب في الشارع الألماني، وكذلك يزداد النفور من الدولة الألمانية بسبب سياستها الخارجية والداخلية، تحديداً على الصعيد الاقتصادي، ولذلك يلتف الكثير من الألمان حول (مواطنو الرايخ)، لأنهم يعتبرون أن مطالبهم محقة، مثل عدم الخضوع للسياسة الأميركية، والبقاء في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ومنع استقبال اللاجئين وتسفير الأجانب من ألمانيا”.

ولفت قاسم الى أن “مواطنو الرايخ” يتواجدون صوب المنطقتين الشرقية والجنوبية بغالبيتهم، لكنه اعتبر أن الدولة الألمانية تضخم إعلامياً الحملة ضدهم. وقال: “اعتقال 25 شخصاً من 11 ولاية هو عدد ضئيل ولا يمكنه القيام بانقلاب، بل لو أنهم 20 ألف منتسب فهو عدد صغير للانقلاب، تحديداً في هذا التوقيت الحساس في ألمانيا، وهنا يدور الشك إن كان الأمر فعلاً بالخطورة التي تدعيها الدولة الألمانية أم أن له خلفيات سياسية، فالحكومة الألمانية تضرب عصفورين بحجر واحد، أولاً لفت أنظار الشعب الألماني الى أن هناك خطراً وجودياً على الدولة الألمانية وهي بهذا تحرف أنظار الألمان عن الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها، وتلهيهم عن سياستها وعجزها عن خلق حلول اقتصادية، وتبعات دعم ألمانيا لأوكرانيا، ومن جهة أخرى، توجه أصابع الاتهام نحو روسيا بأنها تقف خلف هذه الجماعات وتدعمها، ولكن على الرغم من ذلك لا يمكن التقليل من تأثيرها في المجتمع الألماني، لا سيما مع صعود اليمين في ألمانيا الذي يتماهى كثيراً مع شعاراتهم، فمثلاً حزب AFT، هو حزب سياسي يميني ممثل في البرلمان الألماني بعدد من النواب، ويتقارب كثيراً مع سياسات (مواطنو الرايخ)، ولذلك أرى أن تعامل الدولة الألمانية معهم اليوم، سيزيد من شعبيتهم مستقبلاً، وعليها تغيير سياستها تجاههم، وسياستها عموماً، فإن إعادة النظر في السياسة الخارجية والاقتصادية وحل الأزمات هي الطريقة الأمثل لضرب شعبيتهم، لا حظرهم، لأن كل محظور مرغوب، وما حصل اليوم سيزيد من شعبيتهم، تحديداً أن التذمر في الشارع الألماني بسبب الوضع الاقتصادي، إن كان إقفال الشركات، أو التضخم وزيادة الأسعار، هذه كلها وقود لتغذية التطرف”.

شارك المقال