وهم السيادة في ظل السلاح

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ينظر بعض الناشطين في ثورة 17 تشرين الى الوضع الحالي نظرة تشاؤمية، نتيجة عدم قدرتهم على تحريك الشارع الشعبي من جديد، ويعزون الأسباب الى قدرة أحزاب السلطة على تعويم نفسها سواء بالاحتماء بسلاح “حزب الله” أو الاستمرار في الفساد والتغطية عليه للبقاء في سدة السلطة بإتفاقات سياسية على الرغم من الخلافات التي تضرب بينها بين الحين والآخر وتلملم بوعود أو فض الاشتباكات لا سيما ما يتعلق منها بالانتخابات الرئاسية أو بعمل حكومة تصريف الأعمال، لكن لا يغيب عن هؤلاء أن الحاكم الفعلي هو “حزب الله” وبموافقة الجميع على عدم إزعاجه حتى يقرر ما يفعله بالاستحقاقات الداهمة التي يعيشها لبنان.

ينتقد هؤلاء أداء النواب التغييريين لكنهم في المقابل لا يحمّلونهم المسؤولية كاملة، فعلى الشعب مسؤولية في إحداث التغيير والضغط على السلطة من أجل تمرير الانتخابات الرئاسية بدل اللعب في ملعب الرئيس نبيه بري الذي يفسر الدستور وفقاً لمقاييس حليفه في الثنائي وبموافقة وليد جنبلاط وغض نظر “قواتي”.

وعليه، يجد هؤلاء أنه لا يمكن بعد الآن الاستمرار في التفرج على إنهيار لبنان، ولا بد من إعادة الاعتبار الى مفهوم السيادة وجعلها المطلب الأساس وموضوع إجماع كل اللبنانيين بكل تنوعاتهم الطائفية والفكرية، وضرورة التركيز على أن لا سيادة في ظل السلاح ولا يمكن القبول بإبقاء سلاح “حزب الله” تحت أي شعار كان، فقد تبين أن هذا السلاح موضوع لخدمة ايران لا لخدمة اللبنانيين، بل استخدم ضدهم في 7 أيار كما في غزوة عين الرمانة، وفي احتلال وسط العاصمة وفي قمع ثورة 17 تشرين، وفي الاغتيالات وتغطية الفساد وازدواجية القضاء حيث للقاضية غادة عون قوانينها الخاصة الخارجة عن القانون والتي تعمل وفقاً لتوجهات المرشد الصغير.

وينتقد هؤلاء أحاديث البعض في الدفاع عن “حزب الله” بالقول انه مكون لبناني، ويعتبرون أن مشروعه السياسي ليس مشروعاً لبنانياً بل مشروع إيراني وهو يعمل بتوجهات الولي الفقيه وجزء لا يتجزأ من الحرس الثوري، ومن يقارنه بأحزاب حملت السلاح في لبنان أثناء الحرب الأهلية مخطئ، لأن الخلاف الذي كان قائماً بينها هو خلاف على مشروع لبناني داخلي على الرغم من إرتباطاتها الخارجية وتلقيها دعماً من دول المنطقة أو الخارج.

مع طرح موضوع السيادة كشعار أساس، يعتبر هؤلاء أن من الممكن إعادة لفت أنظار العالم الى المشكلة اللبنانية لا سيما الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص، لتساعد في حل الأزمة، ذلك أن الخارج لن يساعد اذا لم يجد حركة عند اللبنانيين للخروج من أزمتهم، بدل المراوحة في المكان وانتظار إتفاقات وتسويات خارجية. ومن هنا، على الشعب الالتفاف حول شعار السيادة حتى تتحقق والضغط على السلطة السياسية التي تسرح وتمرح وتمارس فسادها علناً من دون قوة تواجهها، عندها يساعد اللبنانيون أنفسهم من أجل قيامة لبنان جديد بدل انتظار الفرج من الخارج، وقد بات ظاهراً أن المنظومة القائمة غير قادرة على إنتاج صفقة تملأ الفراغ الرئاسي وتعيد العمل الى المؤسسات الحكومية وسحب القضاء من أحضان “حزب الله” والتيار العوني.

وبرأي هؤلاء فان جبران باسيل فشل في تسويق نفسه كرئيس للجمهورية عند الولايات المتحدة وإن قدم لها اتفاق ترسيم الحدود مع اسرائيل، ولكن ربما فهم أخيراً أنه لن ينجح في مساومته هذه وإن ساير الأميركيين قليلاً بتجميد العقوبات التي كانت مقررة لتطال شخصيات مقربة منه في “التيار الوطني الحر”، مع العلم أن المناكفات الأخيرة مع “حزب الله” حول اجتماع الحكومة وتمرير قرارات “إنسانية” والجدل الحامي، لا توحي بقطع العلاقات بل هي أمر عابر يريد منه إظهار نفسه قوياً. أما رد “حزب الله” فهو من نوع مراضاة بيئته الحاضنة غير الملتزمة التي تعاني كما اللبنانيين الآخرين من جهنم، ومع ذلك يبقى باسيل المرشح المفضل عند الحزب، على عكس ما يشاع عن أن مرشحه الحقيقي هو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية السياسي الاقطاعي التقليدي وصديق بشار الأسد، لأنه لو كان الأمر كذلك لأعلنه وأمّن له أصوات 65 نائباً وقد يكون الأمر غير مستحيل.

ويقرأ هؤلاء الصورة الراهنة بأنها دلالة على عدم وجود رغبة داخلية في الانتقال من مرحلة الى مرحلة، بدل المراهنات على تسويات لم تعد تنفع في علاج الأزمة اللبنانية لا سيما الحرب الأوكرانية، إذ لا يمكن اليوم انتهاج خيارات توافق على مرشح “حزب الله” أي تكرار تجربة العام 2016، فالطبقة السياسية لا تزال تراهن على إنتاج تسوية شبيهة، علماً أن لبنان لم يعد بإمكانه العيش في ظل حكم السلاح ومنطق القتل والاغتيال والتخوين، ويجب الانتقال الى تفكير مختلف للحفاظ على الدولة، فلا أحد مهتم بنا، والعالم يعيش ويتطور من دوننا وصورة الماضي أنه لا يمكن التخلي عن سويسرا الشرق موضوع يثير السخرية في الخارج، ومن هنا لا بد من الانتقال الى مرحلة جديدة عبر تحديد الأولويات وفقاً للمصلحة الوطنية اللبنانية، وهنا يجب حل مشكلة سلاح “حزب الله” الذي لا يعتبر لبنان دولة بل قاعدة عسكرية لايران، وأن الدستور والقانون مجرد تفصيل.

وعليه، تدعو قوى المعارضة التقليدية أو قوى التغيير الى المواجهة السياسية ليصبح موضوع السيادة أساس والالتفاف حوله والمطالبة بتحقيقه، وبذلك يتم تنبيه العالم الى أننا نريد استعادة الدولة. وعلى جميع اللبنانيين إدراك أنه لا يمكن انتاج استقرار وسلام وبحبوحة في ظل السلاح لأن السلاح يعزلنا عن محيطنا العربي، ولكن مع استرجاع السيادة لا يمكن القبول باسترجاع النظام القديم لأن ذلك يعني إنتاج شي أخطر من “حزب الله”.

من هنا، تركز هذه القوى على ضرورة العودة الى الضغط في الشارع وليس في نشاط مركزي بل في كل المناطق، عندما يمشي الناس يمشي التغييريون وراءهم وليس أمامهم، “نحن بحاجة الى تحركات احتجاجية ويجب الاعتراض العلني على ما تقوم به السلطة القائمة، من أجل استعادة الدولة ووضع الفاسدين على لائحة العقوبات الدولية واستعادة العمل القضائي وفقاً للقوانين والعمل السياسي على الأرض لخلق طبقة سياسية جديدة تفتح الطريق نحو مرحلة انتقالية تسير بالبلاد نحو تغيير حقيقي”.

شارك المقال