الميثاقية العونية – الباسيلية: إطاحة موقع رئاسة الحكومة

زياد سامي عيتاني

كلّما يفتعل التيار “العوني – الباسيلي”، المختصر بالنائب جبران باسيل، أزمة سياسية وهمية، بهدف الابتزاز لإشباع جشعه السلطوي، يطلق حملة تصعيدية للمطالبة بالميثاقية، من خلال خطاب أبعد ما يكون عنها، معتمداً على لغة فئويّة عصبيّة مقيتة، تثير النعرات والغرائز الطائفية وتؤجّجها، وتشوه وتسيء إلى التزام المكوّن المسيحي بالوحدة الوطنية مع شريكه المسلم.

فالميثاقية وفقاً لمفهوم باسيل تعني من جهة؛ الاستئثار بالقرار المسيحي، من خلال إختصار كلّ القوى المسيحية السياسية وحتى مرجعياتها الروحية ليس بالتيار الذي ورثه عن عمّه، بل بشخصه المختزل لكلّ التمثيل المسيحي، ومن جهة ثانية، فإنّ الميثاقية تعني بالنسبة اليه فرض شروطه على القوى الممثّلة للمكوّن الاسلامي، في كلّ ما يتعلّق بالمسائل الوطنية والسياسية، بما في ذلك مشاركتها في تسمية رؤساء الحكومة، والوزراء، وحقائبهم، وتوزيعها السياسي، فضلاً عن كلّ تعيينات الفئة الأولى، لا سيما المناصب التي اصطُلح على تسميتها بـ “السيادية”.

وفي خضم هذه الحملة المسعورة التي يقودها النائب جبران باسيل، للمطالبة بالميثاقية الملتبسة التي يختبئ وراءها، بحجة المحافظة على مصالح المسيحيين، الذي يتحمّل هو وعمّه الرئيس السابق، وزر التفريط بها وتحويلها إلى مصالح خاصة ووقفٍ عائلي، لا بدّ من أن نسأل باسيل وفريقه الذي كان يدير الرئاسة الأولى في قصر بعبدا:

أين كانت الميثاقية عندما كانت تُعطل لأشهر عملية تأليف الحكومات “كرمال عيون صهر الجنرال”؟

وأين كانت الميثاقية عندما تمّت من الرابية أكبر تمثيليّة “غدر سياسي” في تاريخ لبنان، حين أعلن وزراؤه ووزراء حلفائه استقالتهم، فيما كان رئيس الحكومة يدخل البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي؟

وأين كانت الميثاقية عندما أرسل عمّك الرئيس السابق تشكيلة حكومية بواسطة دراج إلى رئيس الحكومة المكلّف، في سابقة تنمّ عن إحتقاره لمقام الرئاسة الثالثة، وعن افتقاره الى أدب المخاطبة السياسية وأصولها، متخلّياً عن دوره كحامٍ للدستور؟

وأين كانت الميثاقية عندما كان عمّك يسطو على صلاحيات الحكومة ورئيسها، مستنداً الى البهلوانات الجريصاتية اللادستورية؟

وأين كانت الميثاقية عندما كان يخرج عمّك عن الدستور ويوقف المراسيم ويمتنع عن التوقيع عليها، بما يتأتى عن ذلك من إضرار بالمصلحة الوطنية؟

على الرغم من كلّ هذه التعديات السافرة على الميثاقية من العهد البائس، فإنّ المكوّن المسلم نأى بنفسه عن أن يستدرج إلى فتح سجالات طائفية، كي لا تحقق المآرب الخبيثة التي كان يصبو إليها “رئيس الظل”، لجر البلاد إلى أزمة نظام وكيان، تهدف الى الإطاحة بالدستور اللبناني، الذي قام على مرتكزات اتفاق “الطائف”، سعياً الى عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين، يقوم على المثالثة، بدلاً من المناصفة، والتي تقوّض الحضور والتمثيل المسيحي في المعادلة الوطنية إلى الثلث عوضاً عن النصف، والمرفوضة اسلامياً قبل أن يكون مسيحياً، لحرص المكوّن المسلم على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بمعزل عن العامل العددي الديموغرافي، الذي كرّسه إتفاق “الطائف”، والجميع يذكر المقولة الشهيرة للرئيس الشهيد رفيق الحريري: “وقفنا العد”.

إذاً، مفهوم الميثاقية عند بقايا العونية – الباسيلية، ما هي إلا “شمّاعة” في صراعاتها على السلطة ومكاسبها، تُستخدم لتسجيل الأهداف في مرمى الخصوم المتغيرين بحسب الظروف والتطورات السياسية، بهدف تحقيق استراتيجيّتها الأساسية المتمثّلة في توجيه الضربات المتتالية إلى مقام رئاسة الحكومة، سعياً الى تهشيمه وتهميشه والاعتداء على صلاحيته ورمزية ما يمثل، بحجة أنّ “الطائف” كرّس نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إليه.

من هنا يجب عدم التعويل على الخلاف “المؤقت” (كما جرت العادة) بين “حزب الله” وباسيل (الذي تنتهي مفاعيله بزيارة يقوم بها الحاج وفيق صفا إلى “ميرنا الشالوحي”)، لأنّه يندرج في سياق الفصام السياسي (شيزوفرينيا) الذي يبرع به “الصهر الوريث” للتيار العوني المتصدع، في إطلاق مواقفه المطالبة بالشيء ونقيضه في آن واحد… مع الإبقاء على مقام رئاسة الحكومة هدفاً دائماً للضربات “من تحت الحزام”، وصولاً الى إطاحته.

شارك المقال