في رياض سلامة

علي نون
علي نون

لا أعرف حاكم المصرف المركزي رياض سلامة شخصياً، وهو بدوره لا يعرفني وفق هذا القياس. سبق والتقيته مرتين أثناء عملي التلفزيوني في أواخر تسعينيات القرن الماضي ومطالع القرن الحالي، وأجريت معه آنذاك حديثين قصيرين لزوم عملي ولا شيء آخر. وهذه مقدمة شخصية لا بد منها كي تكون مبرراً لكلام عام يتعلق بالرجل ووظيفته وما يتعرض له.

… وعليه يمكن الافتراض براحة ضمير أكيدة، أن سلامة هو ضحية وليس جلاداً، ومهندس مالي وليس صانع سياسات الخزينة العامة، وموظف برتبة رفيعة ومؤثرة لكنه ليس صاحب قرار، أي قرار، في شأن مشاريع السلطة التنفيذية التنموية والإنشائية والتوظيفية وكل ما يتعلق بالتلزيمات العمومية والصفقات المصاحبة لها، والكيفية التي تتم من خلالها والجهات التي تحظى بها. عدا عن أنه ليس صاحب أي قرار يتعلق بالتقديمات المرادفة والمتممة للأجور في القطاع العام المدني والعسكري والأمني. وبالتأكيد هو ليس مسؤولاً عن قطاع الطاقة الكهربائية الذي سبب أكبر وأفدح الخسائر للخزينة العامة. كما أنه لم يكن جزءاً من مافيا النفط ومشتقاته مثلما أنه ليس جزءاً من مافيا الدواء ولا من أي مافيا في واقع الحال.

قيل ويقال الكثير عن هندساته المالية المعقدة التي أفادت على ما يقال المصارف الخاصة أو بعضها. وكثر الطخّ عليه لأنه لم يستطع تقديم تفسيرات تامة ومقنعة لما فعل مثلما لم يستطع الرد المفحم على الحملات الضارية التي شنّت ولا تزال تُشن عليه وبشكل هستيري تام. وهو في ذلك لم ينخرط في جدالات مفتوحة إلا بعد أن طفح الكيل وفي وقت متأخر. وهذا ربما يعود إلى طبيعة عمله ودقة وظيفته وإيثاره كما أقرانه في عالم المال والاعمال، الابتعاد عن الأضواء قدر الإمكان.

تأخر عن الركب الهائج الباحث عن ضحية ترمى في النار! وتأخر عن الإفصاح و”الإفضاح”. وتأخر عن إبلاغ اللبنانيين ببعض تفاصيل الكارثة المالية الآتية اليهم أفراداً ودولة! مثلما أنه امتنع لسبب ما (؟) عن إبلاغهم، بعد تمتين العقوبات الحصارية على بشار الاسد وبقايا نظامه المتهالك، أن اموال الدعم التي تصرف من أموالهم، العامة والخاصة، تموّل في حقيقة الأمر لبنان وبقايا الأسد! وإن ذلك يتم برعاية سياسية رسمية ومغطاة من أعلى الهرم الدستوري كما من صاحب السلطة الموازية على الأرض، أي ” حزب الله!

وأن ذلك كان سبباً رئيسياً في إرهاق المصرف المركزي، وتقليص قدرته على المناورة إزاء لعبة الدولار وصعوده وتقلص قيمة النقد الوطني.

قال مرة واحدة علناً، ما كان يقوله لأهل السلطة بعيداً عن العلن، إنه كحاكم للمصرف المركزي غير قادر على تلبية حاجات لبنان ودولة الأسد! ولا قدرة لديه على استمرار دعم المواد، التي تستورد بفائض عن حاجات السوق المحلية ويجري تهريبها إلى الداخل السوري بشكل شبه علني ومفضوح. قال ذلك ولم يكمل الشرح! ولم يستطرد! ولم يعط اللبنانيين حقهم في تفسير ما يحصل. كأنه تصرف كرجل دولة مسؤول لكن أمام تركيبة لا همّ لها سوى مراكمة “الانتصارات” على ركام وحطام البلدين والدولتين والشعبين المنكوبين! ولا همّ لها سوى مواصلة الصياح الديكي المألوف. لكن ليس عند الفجر!

لا أعرف تفاصيل وتقنيات أخطاء رياض سلامة، ولا طموحاته السياسية العادية كرجل ماروني متقدم ويحق له أن يكون مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية. ولا أعرف كم مرة زار دمشق أيام زمان في هذا السياق تحديداً عندما كان النظام الأسدي صاحب القرار الأول في شؤوننا الكبيرة والصغيرة. لكن الذي أعرفه مثلما يعرفه الثقاة والسياديون في لبنان هو أن الهجوم الضاري عليه من قبل جماعة الأسد عندنا، يعني أن الرجل ليس عاطلاً أبداً وليس سيئاً ولا مرتهناً ولا تابعاً ولا ذليلاً، وإلا لما رُمي بما يرمى به حتى لو كان تاريخه مليئاً بالمخزيات والمحرمات والارتكابات الفظيعات.

من تهاجمه ماكينة الممانعة بصلف وفجور، ومن يهاجمه أشخاص مثل جميل السيد وجبران باسيل وأضرابهما، لا بد أن يكون وطنياً وسيادياً وناجحاً وماشياً على الطريق الصحيح! هذه معادلة بسيطة ونقية ومباشرة! وكافية في كل حال لـ”مسامحة “أي مخطئ على أخطائه! فكيف الحال وأخطاء رياض سلامة لا تساوي شيئاً أمام خطايا جماعة المحور الأسدي المتهالك؟!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً