حلم عون وباسيل مخالف للدستور

محمد شمس الدين

استقال الرئيس سعد الحريري بعد الانتفاضة الشعبية في الشارع في 17 تشرين 2019، وبعد فترةٍ طويلة من تصريف الأعمال، تسلم الرئيس حسان دياب الحكومة الجديدة التي اعتبرت حكومة اللون الواحد، حتى انفجار 4 آب الذي هز البلد كله، وكانت بعض القوى السياسية مثل القوات والتقدمي الاشتراكي تريد اللجوء إلى الاستقالة من مجلس النواب، وحتى إن البعض استقال مثل الكتائب ونواب من كتل أخرى ومستقلين. اليوم بسبب أزمة عدم تشكيل حكومة، لوّح التيار الوطني الحر بالاستقالة من المجلس النيابي، ليرد عليه تيار المستقبل بالتلويح أيضاً بالاستقالة، فهل يسقط المجلس النيابي بسبب الاستقالات؟ وهل تصبح السلطة في البلد، بعد تعطل السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد رئيس الجمهورية كما يحلم العونيون؟

أشار رئيس مركز ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية المحامي د. محمد زكور في حديثٍ لموقع “لبنان الكبير” إلى أن القانون اللبناني لم يحدد كم يجب أن يستقيل نواب من المجلس النيابي كي تحصل انتخابات نيابية جديدة، حيث إنّه لا يوجد مادة واضحة بالدستور تقول إنّه إذا استقال عدد معين من أعضاء المجلس النيابي البالغ 128 نائباً، يجب أن يفرط المجلس ونتجه إلى انتخابات نيابية مبكرة. ولكن المادة 34 من الدستور تقول إن اجتماع المجلس لا يكون قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه وتُتخذ القرارات بغالبية الأصوات، وهذا يعني أنَّه يجب أن يحضر الجلسة النصف +1، بالحد الأدنى 65 نائباً، فإذا استقال 64 نائباً، لا يمكن بحسب زكور عقد جلسات لأنها تكون غير قانونية، وهنا يصبح المجلس شبه معطل، وعنده يجب حلّه والذهاب نحو انتخابات نيابية مبكرة.

سيناريو ثانٍ لتعطيل المجلس النيابي

أما السيناريو الآخر لضرب شرعية المجلس فهو من جهة الميثاقية، يقول زكور، أي عندما تستقيل طائفة بأكملها من المجلس (شيعة، سنة، دروز، مسيحيين، أي طائفة) وذلك بناء على مقدمة الدستور اللبناني، حيث تقول الفقرة “ي” منها: “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” أي أن المجلس النيابي أو أي مؤسسة لا تشمل كل طوائف البلد يعتبر غير ميثاقي، وهنا يستذكر زكور استقالة الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، واعتبرت حكومته غير ميثاقية، وأصبح مطالباً باستقالة حكومته غير الميثاقية، بسبب غياب الطائفة الشيعية منها، لأن غياب أي طائفة يناقض ميثاق العيش المشترك.

لعبة دمار البلد

يؤكد زكور أن المادة 25 من الدستور تنص على أن قرار حل مجلس النواب يجب أن يشتمل الدعوة لإجراء انتخابات نيابية جديدة وفقاً للمادة 24 ، وتنتهي في مدة لا تتجاوز الـ 3 أشهر، وهنا إذا لم تجتمع حكومة تصريف الأعمال لدعوة الهيئات الناخبة تخالف الدستور وتحديداً المادة 25. ولا ينكر زكور أنَّه في لبنان أصبحنا معتادين على خرق الدستور، حيث يمكن أن تقوم القوى السياسية بالتعطيل ومنع اجتماع الحكومة، ولكن في هذه الحالة تحديداً لا يكون الأمر خرقا دستورياً فقط بل دمار البلد، لأنَّ أهم سلطة هي سلطة ممثلي الأمة أي مجلس النواب.

رئيس الجمهورية لا يمكن أن يتسلم الحكم

مستحيل أن تصبح السلطة بيد رئيس الجمهورية ولا بأي شكل، وفقاً لزكور، حيث إنّه بعد الطائف وحسب المادة 17 من الدستور، أصبحت السلطة التنفيذية تُناط بمجلس الوزراء مجتمعاً. ولا حتى يمكن للجيش أن يتسلم السلطة، لأنّه حتى لو أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن القوى العسكرية والأمنية يجب أن تأتمر من السلطة الاجرائية، أي رئاسة الحكومة، حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال، السلطة تكون بيدها وليس بيد رئيس الجمهورية.

الدستور اللبناني يحتاج إلى تعديلات كثير

رأى زكور أن الدستور بحاجة إلى تعديلات جمّة، ومنها مثالاً إلزام رئيس الجمهورية بمدة محددة للدعوة لاستشاراتٍ نيابية، وقد شهد اللبنانيين كم تأخر الرئيس عون بالدعوة لاستشارات نيابية عند تسمية الرئيس حسان دياب. وأيضاً إلزام رئيس الحكومة المكلف بمهلة محددة لتشكيل الحكومة، أو يتم تكليف غيره. وأشار زكور أن الاقتراح الأخير طُرح بالطائف، ولكن اعترض عليه النواب السنّة وقتها واعتبروه مسًّا بالطائفة السنية وصلاحياتها. وقال زكور إنّه يجب أيضاً تعديل مادة التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، بحيث يصبح الرئيس المكلف يشكل الحكومة وعلى رئيس الجمهورية الموافقة، وهنا يكون على مجلس النواب إما إعطاء الحكومة الثقة أو حجبها، وعندها يقوم رئيس الجمهورية بالتوقيع عليها فقط، لأنَّ المنطق يقول إن رئيس الحكومة هو من يُحاسب على أداء حكومته أمام البرلمان، فإذاً الأولى أن يختار الرئيس المكلف فريق عمله كونه هو من سيتعرض للمساءلة. واعتبر زكور أننا نعيش في بلد يستطيع رئيس الجمهورية أن يبقى سنة وأكثر بدون أن يقوم بالاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة، وأيضاً يستطيع رئيس الحكومة المكلف البقاء بدون أن يشكل قدر ما يريد، وهذه التوافقات سببها اتفاق الطائف الذي حاولت فيها كل الطوائف الحصول على أكثر قدرٍ من السلطة.

الحالة الطبيعية في بلدان العالم هو وضع دستور والالتزام به، وإن كان هناك من حاجة للتطوير يجتمع ممثلو الشعب ويطورون به. أما في لبنان يبدو كأن الدستور وُضع ليُخرق، وتحديداً اليوم في ظل عهدٍ امتهن التعطيل في كل مسيرته السياسية، والخطر اليوم هو أن ينتشي بوهم القوة ويُعاد سيناريو حكومتين في بلدٍ واحد، كأنه فيلم نعيد مشاهدته، والضحية طبعاً سيكون نحن الشعب اللبناني الذي عانى على مر السنين والذي يستحق العيش في بلدٍ يمنحه الحياة الكريمة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً