هل يختلف الراعي والبابا حول لبنان؟

عاصم عبد الرحمن

لا تخلو عظات البطريرك بشارة الراعي أيام الآحاد والأعياد من التشديد والحرص على حقوق المسيحيين. خطاباته بمجملها تتمحور حول قضايا الوجود المسيحي في المشرق، وهو دائم المطالبة بالحفاظ على كيان لبنان منادياً بحياده والخروج من لعبة المحاور التي يعتبرها تهديداً لرسالة لبنان التعددية، في الوقت الذي ينادي فيه بابا الفاتيكان بالحفاظ على حقوق جميع اللبنانيين على السواء، فهل تختلف البابوية الرومانية مع البطريركية اللبنانية في مقاربة قضية لبنان؟

تشكل البطريركية المارونية وعبر تاريخها محجاً للسياسيين على اختلاف انتماءاتهم ومحاورهم، كذلك مشكى ضيم أولئك الذين يشعرون بالغبن السياسي والوطني، ولكنها حافظت على وحدة مسافتها من جميع أبنائها مهما بلغت الضغوط وسيقت في حقها الاتهامات.

هناك مَنْ يرى أن البطريرك الراعي يلعب دور راعي المسيحيين وحامي حقوقهم خصوصاً إبان الشغور الرئاسي الذي أصبح عرفاً عند انتهاء ولاية كل رئيس للجمهورية، ويعتبر أن الراعي بتدخلاته إنما يصوّب الأمور في اتجاهها الصحيح كي تستقيم الشؤون السياسية بين مختلف الرئاسات من جهة وبين جميع الطوائف من جهة أخرى، كذلك يعتبر أن الراعي هو حكمٌ بين أبناء الطائفة المارونية متى اختلفوا حول شؤون السياسة والادارة والطائفة وغير ذلك.

وهناك مَنْ يعتبر أن البطريرك الراعي في تدخلاته متعددة الاتجاهات إنما ينصِّب نفسه رئيساً للجمهورية بصلاحيات مطلقة على اعتبار أنه يتدخل في الشاردة والواردة، يوافق ويعترض، يستدعي ويستجوب، ينهى ويأمر ويعطي توجيهات لهذا وذاك حتى للرئاسات الأخرى والنواب والوزراء والمدراء العامين والقضاة وغيرهم وذلك تحت غطاء الحفاظ على حقوق المسيحيين وحماية الموقع المسيحي الأول في لبنان وصون الطائفة المسيحية.

من هنا يرى مراقبون أن بابا الفاتيكان يختلف مع البطريرك الراعي في مقاربة القضية اللبنانية، ففي الوقت الذي ينادي فيه الراعي بإعلان حياد لبنان ورفع شعار حقوق المسيحيين، يدعو البابا إلى التزام حقوق اللبنانيين على السواء ولا يحبذ طرح الحياد إذا كان سيؤدي إلى انقسام لبناني ووطني بين الطوائف.

في مقابل هذه الصورة يعتبر مراقبون أنها لوحة ضبابية وغير واقعية إنما يرسمها كل من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” كلما شعرا بحرج سياسي حيال سلوكهما فيعمدان إلى تصوير بابا الفاتيكان على ضفة معاكسة للبطريرك الراعي لابرازه وكأنه لا يمثل كل المسيحيين بل هو طرف سياسي وأن البابوية لا توافقه مقاربة القضية اللبنانية.

وفي السياق عينه، يقول الكاتب والباحث السياسي الدكتور إيليا إيليا لـ “لبنان الكبير”: “صحيح أن الفاتيكان يدعو إلى حماية حقوق جميع اللبنانيين على السواء ولا يطالب بحماية المسيحيين حصراً لأنه دولة ولا يمكنه أن يميز بين أبناء البلد الواحد، لكنه لا شك يرعى حقوق المسيحيين ويتابع أوضاعهم عبر البطريرك الراعي باعتباره أباً لموارنة المشرق وجميع المسيحيين ولا يختلف معه في مقاربة الشؤون اللبنانية”.

لا شك في أن لبنان يقوم بجميع طوائفه ومذاهبه ولطالما قال البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير بأن لا قيامة للبنان إلا بجناحيه المسلم والمسيحي، ولكن لا بد من أن تشعر كل طائفة أن وضعيتها السياسية على خير ما يرام من دون شعورها بالغبن أو الغلبة من طائفة أخرى لتتحقق رسالة لبنان التعددية التي تحتاج نظاماً سياسياً يترجم هذه الرسالة، فهل تطبيق الطائف بصيغته الحقيقية التي أقرَّ فيها يؤدي أمانته السياسية اللبنانية؟.

شارك المقال