تيار الميكافيلية يمس الخطوط الحمر!

محمد شمس الدين

“الغاية تبرر الوسيلة”، الأيديولوجية الميكافيلية للحكم المثيرة للجدل، ينتهجها حكام لبنان، بحيث يستخدمون أي وسيلة من أجل البقاء في السلطة، والحصول على مكتسبات خاصة بهم، على الرغم من أن لبنان بلد توازناته دقيقة، ولا يحتمل أن يلعب أحد بها، إلا أن هذا الأمر لا يهم الساسة اللبنانيين، الذين يستخدمون شتى الوسائل المحرمة في الواقع اللبناني ويستغلونها لمصلحتهم. وقد دخل لبنان فترة الأعياد، ومن المتوقع أن ينفجر الوضع مع بداية السنة الجديدة، كما بدأت هذه السنة مع خطاب ناري لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، هاجم فيه كل الأطراف في البلد، حتى أنه انتقد حليفه الرئيس “حزب الله”، واعتبره متخاذلاً عن مساعدة “العهد القوي”. ويخوض التيار اليوم معركة تحت مسمى “الدور المسيحي”، بسبب محاولة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تسيير أمور الناس لعدم وجود رئيس جمهورية، وقد اشتعلت هذه الجبهة مجدداً بعدما عدّل وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم المرسوم المرسل إليه من رئاسة الحكومة، في ما يتعلق بمساعدات العسكريين، إلى صيغة تحتاج توقيع الـ 24 وزيراً في الحكومة، الأمر الذي أثار بلبلة في الأوساط السياسية لا سيما أن من المفترض أن يكون هناك شبه إجماع على تجنيب العسكر التجاذبات السياسية في البلد.

في هذا السياق، رأى مصدر يدور في فلك مرجعية سياسية في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أن “التيار يستعمل مجدداً أسلوب الابتزاز لتحقيق مآربه السياسية، وإن كانت الأطياف السياسية في البلد تعودت على هذا الأمر، إلا أن الموضوع اليوم يمس الأمن الاجتماعي مباشرة، فقد كان هناك إجماع بين السياسيين، حتى أقصى أطراف النقيض، على تجنيب القوى الأمنية والجيش اللبناني، تبعات الخلافات السياسية، وعلى وجوب أن يحظى الجيش تحديداً بالتفاف شعبي مهما حصل في البلد، ولا يجوز إدخاله في دهاليز السياسة، وإن عرقلة مساعدات العسكريين، تحديداً في جو الأعياد هي جريمة بحق البلد ككل”.

واعتبر المصدر أن باسيل يوجه رسائله الى قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي وصفه في أحد الخطابات بأنه “قائد الانقلاب” ضد العهد، بسبب عدم قمعه للمحتجين، إبان مظاهرات انتفاضة 17 تشرين، لافتاً الى أن “كون العماد عون أحد الاسمين الأكثر تداولاً لتبوؤ رئاسة الجمهورية، هو أمر يضيف إلى غضب باسيل منه، ولكن يبدو أن الأخير ينسى أن من ستؤثر عليه مواجهات كهذه هو المجند في الجيش، لا قائده، فمهما ساءت حال الجنود، الأمر لا يؤثر على العماد عون، كون موضوع رواتبهم والمساعدات هو أمر بيد السلطة السياسية، بل أكثر من ذلك، هذا الأمر سيتسبب بنقمة ضد باسيل والتيار، بعد أن كان لفترة طويلة يعتبر نفسه (تيار الجيش اللبناني)، ومعركة طواحين الهواء الجديدة للتيار، سيكون هو الخاسر الأكبر فيها”.

وشدد المصدر على أن “هذا هو سبب عدم إمكان تشكيل الحكومة بعد الانتخابات النيابية، فباسيل كان يعلم أن انتخاب رئيس للجمهورية أمر سيأخذ وقتاً بسبب الانقسام المحلي والاقليمي، لذلك لم يكن سيقبل تشكيل حكومة لا يكون يمتلك أدوات تعطيلية أساسية فيها، بل كان يريد أن يحصل على الثلث المعطل، كي يتحكم بالمرحلة بما يناسب مصالحه وأجنداته، واليوم تتخوف الأوساط السياسية من أن تؤدي هذه المعركة، إلى فوضى لا يستطيع أحد أن يتحمل عواقبها. ”

سمة التعدد في لبنان من المفترض أن تكون احدى مميزاته، ولكن حوّلها السياسيون إلى نقمة على البلد وشعبه، فحتى لو أن من حق كل طائفة أن تحارب للمحافظة على دورها، لا يمكنها تعطيل مصالح كل الشعب من أجل ذلك، تحديداً إن كان الأمر يتعلق بالأمن الاجتماعي، والغذائي، والصحي، الذي يفترض أن يكون خطاً أحمر، مهما كان هناك تجاذب بين الأطياف في البلد، ولكن يبدو أن البعض أصبح مهووساً بالسلطة لدرجة، أنه أصبح ميكافيلياً أكثر من المفكر الايطالي نفسه، الذي لو كان حياً اليوم، لانتقد الأسلوب الذي يتبعه ساسة لبنان، واعتبره بطشاً بحق الشعب.

شارك المقال