الانتخابات الرئاسية رهينة في يد “حزب الله”!

جورج حايك
جورج حايك

يُجمع المراقبون على أن اهتمامات “حزب الله” ليست لبنانية، بمعنى أنه لا يبالي بمصلحة لبنان وشعبه، ولا يعمل إلا بتوجيهات مرجعيته السياسية والعقائدية أي الجمهورية الاسلامية الايرانية، فهو ليس سوى فصيل عسكري ينفّذ أعمالاً لمصلحتها في كل أنحاء العالم، وبالتالي فإن أداءه ومواقفه وقراراته مرتبطة بالظروف الاقليمية والدولية التي تنعكس على لبنان تعطيلاً على صعيد استحقاقاته الدستورية الديموقراطية، من هنا يُمكن فهم التعثّر في انتخاب رئيس للجمهورية، واعتماد الورقة البيضاء، ووضع الشروط في الحوار على إسم الرئيس مسبقاً مما يفرّغ العملية الانتخابية من مضمونها ويعدم التنافس بين الكتل النيابية لمصلحة “التوافق”!.

لا يختلف اثنان على أن “الحزب” ينتظر بلورة الوضعين الاقليمي والدولي، وقد أدخل لبنان في مرحلة انتظار قاتلة، بل تستنزف قدراته وصموده ومقوّماته الاقتصادية والمالية المعيشيّة، وهذه الأمور لا تعني “الحزب”، ولا تقلقه، فالأهم أن يبيع ويشتري في تسوية مقبلة، لمصلحة ايران، التي يعتبر الملف الرئاسي اللبناني بالنسبة اليها، ورقة تستخدمها للمقايضة لتحقيق مكاسب معينة، واللافت أن هذه الورقة لم يحن وقتها بعد.

والسؤال الأساس ما الذي ينتظره “حزب الله” وايران اقليمياً ودولياً؟ أولى القضايا الدولية التي يتأثر بها “حزب الله” هي الحرب الروسية – الأوكرانية، وعلى الرغم من بُعدها الجغرافي عن لبنان، إلا أنها انعكست اهمالاً دولياً لأزمته، فـ”الحزب” لا يمكنه تسهيل الملف الرئاسي من دون عرض وطلب وأثمان، وتبدو الولايات المتحدة وفرنسا وايران والسعودية ومصر وكل الدول التي تلعب دوراً سياسياً في لبنان، منشغلة بالحرب الروسية – الأوكرانية، ولولا حاجة أوروبا والولايات المتحدة الى الغاز في بحر لبنان واسرائيل، لكان من المستحيل أن يتم اتفاق ترسيم الحدود البحرية. أما ملف الانتخابات الرئاسية فلا يدخل ضمن أولويات هذه الدول، لذلك يشعر كثيرون أن لبنان متروك في هذه المرحلة، مما ينعكس شغوراً في موقع الرئاسة حتى إشعار آخر، أو ربما حتى تقتنع الدول المتنازعة بالجلوس الى طاولة المفاوضات لحلّ الأزمة بين روسيا وأوكرانيا. وثمة عامل سلبي آخر ظهر مؤخراً وهو تورّط ايران في هذه الحرب من خلال تزويد الجيش الروسي بالطائرات المسيّرة، هكذا ربط الايرانيون أنفسهم بمصير حليفهم الروسي، فإن انتصر سيحققون المكاسب وإن هُزم ستلحق بهم الهزائم.

إذاً، وسط هذه الخريطة الدولية – الاقليمية المضطربة، يبدو الوسيط الفرنسي الذي يعتمد عليه لبنان في الدرجة الأولى لصياغة التسويات مُنغمساً في أزماته الأوروبية والأميركية الصعبة، فيما لا شيء يدفع الولايات المتحدة إلى إنهاء حال تقطيع الوقت السائدة في لبنان، ما دام النزاع لا يخرج عن ضوابطه ولا يزعج أحداً خارج الحدود. أما العرب فليسوا قادرين على إنجاز أي تسوية لبنانية من دون التنسيق مع الأميركيين والأوروبيين!.

القضية الثانية التي تنعكس سلباً على الملف الرئاسي اللبناني نتيجة انتظارات “حزب الله” هي تعثّر المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. صحيح أن لا إيران ولا الولايات المتحدة قد أعلنتا عن الانسحاب من المفاوضات النووية، لكن يبدو أن الجانبين بدآ يأخذان في الاعتبار إمكان أن تنهار المفاوضات، وأن تدخل المنطقة تالياً في سيناريو استمرار المواجهة الأميركية – الايرانية على غرار ما كان عليه الوضع في ظل رئاسة دونالد ترامب.

أمام هذا الواقع المأزوم، تحوّل الملف الرئاسي اللبناني إلى رهينة مقابل فدية لم يحصل عليها الخاطف الايراني حتى اليوم، ولذلك لم يُنتخب رئيس بعد. ويبدو أن ايران طلبت من العالم العربي والخليجي والغرب والولايات المتحدة تحديداً دفع هذه الفدية ولم يقبل أحد بعد بذلك، في وقت يعتقدون فيه حتى اللحظة أن العقوبات قادرة على تغيير سلوك ايران في المنطقة والعالم.

وإذا استمر تعثّر مفاوضات فيينا، فسنكون أمام قرار دولي اتخذ لتقليم أظافر ايران في لبنان والمنطقة، وبالتالي قد تكون هوية الرئيس العتيد حليفة للمعسكر الغربي. وإن لم يتحقق هذا الأمر فسنبقى في حال الانهيار وسيدفع لبنان الثمن الأغلى وستفرض المزيد من العقوبات التي ستطال مسؤولي “حزب الله” من قادة عسكريين وأعضاء كتلة النواب ومؤسسات قريبة منهم، وحلفاءهم، وهذا ما سينعكس سلباً على الملف الرئاسي ويستمر الشغور. ويبقى احتمال حصول تسوية حول الملف الرئاسي إذا عادت المياه إلى مجاريها في المفاوضات النووية أمر ممكن، مما سيحمل رئيساً “توافقياً” إلى قصر بعبدا مثل قائد الجيش العماد جوزيف عون.

القضية الثالثة التي تقلق إيران و”حزب الله” هي الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها المدن الايرانية منذ أشهر قليلة. واللافت أن هناك دعماً خليجياً – أميركياً للمتظاهرين جرى التعبير عنه من خلال كلام وزير الخارجية الأميركي ومحاولة تأمين الانترنت عبر الأقمار الصناعية، وبالتالي الاستثمار مباشرة في التظاهرات من أجل الضغط على إيران لتقديم تنازلات في الملف النووي. وقد تكون مبالغة الرهان على سقوط النظام الايراني نتيجة هذه الاحتجاجات، لأن لديه أدوات قمعية أوسع بكثير من أن يسقط في هذه اللحظة، مع العلم أن معظم الأنظمة القمعيّة تسقط فجأة، وليس بالضرورة أن تنحدر بصورة تدريجية، وبالتالي نظن أن الأمر لن يغيّر شيئاً في سلوك “حزب الله” في هذه المرحلة في لبنان، والأمر الوحيد الواقعي الذي يمكن أن يغيّر المعادلة، هو أن يتحوّل النظام الايراني إلى نظام طبيعي كما كل أنظمة العالم، يحترم حريات الناس ويتعايش مع الدول المحيطة به كأي دولة عادية.

لن يتأثر “الحزب” بإضعاف النظام، بل سيزداد تشدداً، وهذا ما يحصل على صعيد الملف الرئاسي، إذ يشعر في لحظة كهذه أنه في حاجة إلى حسم سريع في لبنان وتثبيت وجود قد يصل إلى خيارات عسكرية، خصوصاً وأن المنطقة على أبواب مفاوضات وتسويات سياسية يحتاج فيها “الحزب” وإيران إلى حيثيّة تقوي موقفهما في المفاوضات، ولعل مهاجمة قوات “اليونيفيل” وقتل أحد عناصرها يجسّدان احدى الأدوات التي تملكها ايران و”الحزب” إذا شعرا بالضغط!

شارك المقال