أشباح ديكنز لن تغيّر في سياسيي لبنان

محمد شمس الدين

“ترنيمة عيد الميلاد” قصة قصيرة شهيرة جداً للروائي الانكليزي تشارلز ديكنز، اقتبست منها أفلام عدة، يتكلم فيها عن شخصية ايبنز سكروج الذي يكره عيد الميلاد ويحاول جعل حياة من حوله تعيسة في هذا العيد. وفي ليلة الميلاد تزوره ثلاثة أشباح، الماضي، الحاضر والمستقبل، الشبح الأول يأخذ سكروج في جولة على الأيام الجميلة عندما كان يستمتع بعيد الميلاد. الشبح الثاني يظهر له حال عائلته وأصدقائه في هذا العيد. أما الثالث فيكشف له عن مستقبله أنه سيموت وحيداً إذا استمر بأسلوب الحياة نفسه الذي يعيشه. القصة الشهيرة التي تعرض الاقتباسات منها في كل عيد ميلاد، تنطبق على بلد بأكمله، هو لبنان، الذي يجب أن تزور سياسييه ثلاثة أشباح، لعلهم يعون ماذا يفعلون بالبلد الذي كان يسمى يوماً “سويسرا الشرق”.

فإن أخذهم شبح ميلاد الماضي في جولة إلى زمن هذا البلد، لوجدوا أنه كان بلد حلم، ومحسوداً من البلدان التي تتصدق عليه اليوم. ربما لم يكن البلد الأفضل، ولكن كانت هناك مراحل في تاريخه جعلت بلداناً عديدة في العالم تغتاظ من جماله، بل كان اللبناني عندما يسافر إلى بلد آخر ليعمل، كنجم كرة القدم مثلاً، تتنافس عليه الشركات وتقدم له أقوى العروض كي يعمل لديها. لقد كان الشعب اللبناني بمجمله يقول بكل جرأة “أنا لبناني”، بكل ما للغطرسة من نبرة، نعم لقد كان شعباً فخوراً ببلده وبهويته، حتى في عز الحروب التي عاشها، داخلية كانت أم خارجية.

أما إذا جال بهم شبح ميلاد الحاضر، فسيرى السياسيون كيف يعيش شعبهم، يعاني لتأمين أدنى مقومات العيش، يشتري الحطب بالكيلو بعد أن كانت الأطنان تملأ منازله، يموت ألف ميتة قبل أن يطلب الدواء، الذي تخطى سعر بعضه إيرادات عائلة كاملة، سيرون أن الكهرباء حلم بعيد المنال، وأن كل الخدمات تحت سيطرة مافيات لا ترحم أحداً، والطرقات تحولت إلى أنهار في نفحة شتاء. سيشاهدون بأم العين، أن هدية العيد أصبحت عشاء دجاج بدلاً من ألعاب للأطفال، ستتساقط دمعة الأمهات أمامهم وهن يبكين على فراق أبنائهن في بلاد الغربة كي يمدوهن بـ “الفريش دولار”. وأسوأ مشهد في الحاضر، هو الانقسام والطائفية والتعصب، التي لم يكد اللبنانيون يبدأون بالخروج منها، حتى عادت بكل قوة لتسيطر على حياتهم مجدداً. بكل بساطة سيشاهدون فيلم رعب، خيال ألفريد هيتشكوك لن يقدر على أن يأتي بمثله.

يأتيهم شبح ميلاد المستقبل، لعلهم يتقون ويغيّرون من أفعالهم، يظهر لهم مستقبل بلدهم القاتم، فيرون أطلال بلد، شعبه مشرذم منقسم، يكره بعضه البعض، يشحذ الرغيف من زعيم مستقبلي، قد يكون أحد أبناء هؤلاء السياسيين، ظالماً ومتعجرفاً، تهمه مصلحته وزيادة أمواله وأموال حاشيته، بينما شعبه قد يقتل بعضه بعضاً من أجل تأمين رغيف خبز لأولاده، سيكون بلداً فارغاً من أهله فعلياً، بسبب هرب كل شبابه إلى الخارج، وسيكون عبارة عن حلم جميل تحول إلى كابوس بسبب أدائهم وجشعهم، وربما يكون قد عاد بالشريط إلى الوراء نحو بلد في كل زاوية منه متراس.

مشهد المستقبل القاتم، جعل سكروج يغيّر من نفسه، ويسعى الى تحسين حياته، إلا أن هذا المشهد لن يغيّر شيئاً في سياسي لبنان، فهم ليسوا بحاجة إلى أشباح ديكنز كي يعرفوا ماذا تقترف أيديهم، هم يعلمون علم اليقين ماذا يفعلون بالبلد، ولا يهمهم، المهم هي مصالحهم، ومصالح الحاشية، المهم هو الكرسي، ولو كان فوق عظام بشرية، المهم أن يكون لقبهم صاحب الفخامة أو صاحب السعادة، ويتخذون شعاراً لهم “من بعد حماري ما ينبت حشيش”. فاليوم وفي عز أسوأ أزمة تهدد الكيان بأكمله، لا يزالون يتقاتلون على الفتات، بل كما قال مرجع دستوري كبير “يتكالبون على الحصص”، وقد أسقطوا عنهم كل معاني الوطنية والمسؤولية، وهم يعلمون تماماً أن الشعب لا حول له ولا قوة، بل يستخدمون “الغوبلزية” للسيطرة عليه، ودفعه إلى خوض المعارك باسمهم، ولو أن ديكنز حي اليوم، لكانت نهاية قصته مأساوية لا سعيدة.

شارك المقال