“غرندايزر” الانتخابات النيابية… “ميكي ماوس” رئاسة الجمهورية

كمال دمج
كمال دمج

قد تتحوّل الشعبوية لدى البعض إلى “هستيريا سياسية” تأخذ بهم، عن إدراك تام في خفايا أنفسهم لواقع الأمور، نحو الرضوخ لمسألة الإرتضاء بالبقاء في المعادلة السياسية، لا بل الطائفية والمناطقية، على حساب المبادئ والمواقف الوطنية ومسار الإلتزام تجاه الناس والوطن، بأسلوب كانت جَلِيّة أهدافه وبدأت تتظهّر وقائعه ونتائجه مع كلّ إستحقاق، وذلك عبر إلباس حملاتهم الانتخابية وتصرفاتهم البرلمانية قشور “لبننة الاستحقاقات”، في حين تكشف تحولات جغرافيا السياسة الاقليمية والدولية مكنونات هذه اللعبة الداخلية.

فكيف اختلف أداء القوى السياسية الحالية داخل البرلمان اللبناني في مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن أدائهم بوجود الرئيس سعد الحريري في الحكم وقبيل التسوية الرئاسية عام ٢٠١٦ وأثناءها؟

بعد أن خاضت “القوات اللبنانية” الانتخابات النيابية في أيار الماضي على أساس المواجهة السياسية التامة ضد “حزب الله” والمشروع الايراني في لبنان، إلتزمت على مدار تسع جلسات برلمانية مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية بوضع إسم النائب ميشال معوّض في صندوق الاقتراع في مسار يُصَوَّر على أنه ثبات في المواقف وتحدٍّ وأسلوب مواجهة حضاري في وجه ما يعتمده الحزب من غموض عبر الورقة البيضاء. لكن الحزب وببياض ورقته الانتخابية الذي يعترف من خلالها بأنه خاضع لقرار خارجي ما، يبقى أخَفّ وطأة من أسلوب حزب “القوات” الذي ليس إلاّ إستهزاء بعقول اللبنانيين في ظل ترك الباب مفتوحاً للتخلي عن معوّض عند نضوج تسوية دولية تفرض إسماً معيناً للرئاسة، وذلك من خلال التمسُّك بمقولة “حتّى الآن نحن مع ترشيح ميشال معوّض”، في حين يصرّح حليفها النائب أشرف ريفي بأنّه “لولا إلتزامه بتسمية معوّض لما حضر الجلسات”، ويعلم كل منهما أن ما يقومان به هو مجرّد تمرير للوقت وحفاظ على ماء الوجه تجاه الناس وعدم حرق الاسم الأكثر طرحاً في الكواليس بانتظار ما هو واضح إقليمياً ودولياً بأنَّ تسوية ما يفترض أن يكون لبنان جزءاً أساسياً فيها باتت على وشك النضوج.

وهذا ما يدعو الى التساؤل فعلاً كيف تواجه “القوات اللبنانية” وأشرف ريفي وغيرهما، هيمنة “حزب الله” على الاستحقاقات والمؤسسات بأكثر مما واجه به الرئيس سعد الحريري قبل تعليقه العمل السياسي؟

إنَّ ما قام به الرئيس الحريري على مدار ٤٢ جلسة برلمانية هو التمسّك بإسم سمير جعجع لرئاسة الجمهورية في وجه “حزب الله” الذي كان يتمسك بترشيح ميشال عون. والتمسّك بإسم جعجع طوال مدة الفراغ الرئاسي وقتذاك كان في ظل عدم وجود بوادر لأي تسوية دولية يمكنها فرض رئيس للجمهورية، وبوجود أكثرية مطلقة لحلف ١٤ آذار، فكانت بالمطلق مواجهةً لتعنُّت محور الممانعة، بحيث يمكن القول إن ميشال عون جاء نتيجة عناد وتسلّط من ميليشيا “حزب الله” وبقوّة سلاحها، ونتيجة العمل بالنكايات المعتمد من “القوات اللبنانية” والذي تمثّل باتفاق “معراب” وعلى أساسه إلتزم سعد الحريري بالارادة المسيحية حينها.

إنّ “القوات اللبنانية” اليوم، وبعد أن خاب أملها من تحقيق حلم “أكثرية الحزب الواحد” في الانتخابات النيابية التي كانت ترى فيها الخلاص وبداية طريق جديد، وصلت إلى مرحلة تفضل فيها البقاء على الساحة السياسية والحفاظ على المواقع بدل مصارحة الناس والوقوف على الحياد من مسلسل استباحة البلد، والسعي الى تشكيل جبهة وطنية إلى جانب رفاق الدم والمبادئ للوصول بلبنان إلى حيث يستحق.

ففي حين يقبع لبنان تحت وطأة الأزمات الأشد قسوة في تاريخه، وفي حين تخلت الأطراف السياسية فيه عن الحوار واستبدلته بطاولة المفاوضات الدولية، ينزلق لبنان أكثر في هوّة الفراغ والوقت الضائع بانتظار ما قد يشكل انفراجة دولية على صعيد الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بحيث ترتبط علاقات الأطراف الداخلية الفاعلة حالياً في الملف الرئاسي (“القوات اللبنانية” – “حزب الله”) ارتباطاً وثيقاً بعلاقات القوى العالمية والاقليمية الكبرى، ويتوقَّع أن يتم التوقيع على الاتفاق النووي الذي بات كامل المعالم في مطلع السنة الميلادية المقبلة، ما يفتح المجال أمام تبدُّل في المواقف اللبنانية وتوافق داخلي على اسم يلقى قبولاً أميركياً أولاً، وغير مستفز لممثل إيران في لبنان ثانياً، ومرحّب به سعودياً ثالثاً، ويفترض أن يكون قائد الجيش جوزيف عون الوحيد حالياً الذي تجتمع فيه تلك المعايير، ولتتكرّس بذلك رئاسة الجمهورية في لبنان أعلى رتبة في سُلَّم المؤسسة العسكرية.

شارك المقال