قضاة أوروبيون في لبنان… خرق للسيادة أم تنفيذ معاهدة؟

محمد شمس الدين

خبر قدوم قضاة أوروبيين الشهر المقبل إلى لبنان، قيل إن هدفهم الاستماع الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لا يزال يثير الجدل في الأوساط اللبنانية، بحيث اعتبر البعض أن الأمر خرق خطير للسيادة اللبنانية، بل ذهب آخرون إلى اعتباره إهانة ويخالف أدنى أصول التعامل بين الدول، فيما رأى البعض الآخر أن الأمر طبيعي، ويخضع للمعاهدات الدولية، فماذا يقول القضاة؟

علم موقع “لبنان الكبير” أن المعنيين بملف القضاة الأوروبيين يستندون إلى معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي ترعى هذه المسألة، وبالتحديد المساعدات القضائية بين الدول، وقد وافق عليها لبنان بموجب قانون صادر عام ٢٠٠٨ ودخل فيها، وبالتالي فإن الأمر عند القضاء اللبناني ليس مطروحاً من جهة إذا كان يجب إعطاء إذن خاص للقضاة الأوروبيين، بل مقتصر على كيفية تنظيم الأمور والتنفيذ.

وأوضح مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه “في حال كانت هناك معاهدة، ليست هناك حاجة الى أي إذن خاص، وتطبّق بنود المعاهدة بحرفيتها، أما إذا لم تكن هناك معاهدة، فهذا الأمر بحاجة إلى إذن من مدعي عام التمييز، ولا علاقة للسطة السياسية به، لأن هذا عمل قضائي بحت، ويجب على القضاة الزوار تحديد مهمتهم، ففي حال عدم وجود معاهدة، وهم يريدون فتح تحقيق خاص بهم واستدعاء أشخاص للتحقيق معهم، هذا يحتاج إلى إذن من مدعي عام التمييز، وكذلك الأمر في حال أرادوا المشاركة في تحقيق مفتوح في القضاء اللبناني، أما في حال كانت مهمتهم تقتصر على جمع المعلومات واستقصائها، فهذا ليس بحاجة إلى إذن من أحد، ويكون عملهم روتينياً”.

وأشار ماضي إلى أن هذا الأمر لا يحصل لأول مرة، وكانت هناك حالات مشابهة في الماضي، واتبعت الأصول فيها.

أما المعارضون فيعتبرون أن لا وجود لمعاهدة تسمح لقضاة من دولة خارجية بفتح تحقيقاتهم الخاصة في لبنان. وأعرب مصدر قضائي في حديث لموقع “لبنان الكبير” عن استهجانه لهذا الأمر، قائلاً: “من المسلمات أن هذا الأمر يتعارض مع مبدأ السيادة، فلا يمكن لأي جهة أمنية محلية أن تطلع على عمل جهة أمنية أخرى إلا وفقاً للأصول، فكيف إذا كانت جهات خارجية؟ هذا الأمر خطير، ويجب معرفة مهمة هؤلاء القضاة، ومن أعطاهم الاذن؟ من هي الجهات القضائية التي وافقت؟ وهل وافق وزير العدل؟ ما هي حدود صلاحيتهم، وأصلاً بأي صفة هم قادمون؟ هل هم يمثلون دولهم الخاصة أم يمثلون الاتحاد الأوروبي؟”.

وتساءل المصدر: “هل أصبح القضاء اللبناني مستباحاً إلى هذه الدرجة؟ هل استبدلنا القضاء اللبناني بقضاء خارجي في وقت غالبية قضاة لبنان معتكفة عن العمل؟”، لافتاً الى أن “القاضي يُقسِم قَسَمين عند تبوؤه منصبه، القسم الأول هو الحفاظ على سرية ما يطلع عليه، والثاني هو أن يحكم بالعدل، وأي خرق في هذا القَسَم يتسبب بخرق عملية السيادة، وما حصل غير مألوف، ويحتاج إلى دراسة، فمن غير المعقول أن تأتي جهة خارجية تخرق جهازك الأمني والقضائي، وتطلع على ما تطلع عليه من أسرار”.

كما جرت العادة في لبنان، لا أحد يعرف ما الذي أتى قبل، البيضة أم الدجاجة؟ كل مسؤول يرميها على الآخر، بل كل يفسر على ذوقه، وفق ما تقتضيه أهواؤه السياسية. لا شك في أنه أمر مستغرب أن تأتي مجموعة قضاة للتحقيق مع شخصية لبنانية في لبنان، ولكن في الوقت نفسه إن معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تقتضي التعاون القضائي في هذا الملف، وبدلاً من خوض نقاش بين المعارض والموافق على هذا الأمر، والخروج بصيغة مشتركة، يتصلب كل في موقفه، ويستغل الأمر بالأجندات السياسية.

شارك المقال