الانهيار… شخصية لبنان للعام 2022

زياد سامي عيتاني

ودّع اللبنانيون عاماً وإستقبلوا آخر، وسط مشاعر متناقضة وممتزجة بين الألم والأسى اللذين كانا سمة العام الكارثي “الجهنمي” الذي مضى، وبين القلق والتخوّف المقرونين بالأمنيات المتواضعة، من دون مبالغة بأن يكون العام الجديد أقل سوءاً على اللبنانيين المنهكين والمتهالكين والمعذبين، الذين باتوا بكلّ مكوناتهم المجتمعيّة شبه فاقدي الأمل بالغد الآتي، من جرّاء حالة اليأس والإحباط والسوداوية المخيّمة على وطنهم المحتضر والمتحلّل، والفاقد لكلّ مقومات الحياة فيه، إلا “بشق النفس” و”طلوع الروح”!

وقبل انقضاء السنة الماضية، لجأت عدة وسائل إعلامية إلى إجراء إستفتاء حول شخصية العام 2022.

لا شكّ في أنّ مثل هذه الخطوة المُستغربة، لا تعدو كونها مجرد محاولة من تلك المؤسسات لتسجيل أرقام “مضخّمة” لأعداد متابعيها، علّها تخدمها في إقناع ما تبقى من معلنين بزيادة حصتها من الاعلانات.

فكيف يمكن لهذا “اللبنان” الذي انحدر العام الفائت مسرعاً نحو الإنهيار الشامل والجامع، أن يختار له شخصية العام؟ اللهم إلا إذا كان المقصود، الشخصية السياسية الأكثر سوءاً (!) فهنا يتعادل جميع الساسة في أعداد نقاطهم السلبية، بما يتحملونه مجتمعين وبالتساوي من مسؤولية بلوغ لبنان هذا المستوى المتدني من الإنهيار.

إذا حاولنا الخروج عن طبيعة هذا الاستفتاء الذي يتطلّب تحديد شخص طبيعي ما، لاستبداله بشخصية “معنوية”، فإنّ “الإنهيار”، سوف يحتلّ المرتبة الأولى بلا منازع، وبإجماع كلّ اللبنانيين، لا مبالغة في ذلك.

الإنهيار، هو سمة كلّ تفصيل من تفاصيل العام الماضي، بدءاً من الإنهيار الأخلاقي والوطني عند الطبقة السياسية، مروراً بكلّ النظم الدستورية والمالية والمؤسساتية الإدارية والقضائية للدولة، (باستثناء الجيش الوطني والأجهزة الأمنية)، وصولاً إلى الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي والمعيشي بكلّ أبعاده، إلى أن بلغ اللبنانيون حدّ الإفلاس، والإقتراب من المجاعة والفوضى العارمة، اللتين ستنكشف كوارثهما مع مطلع العام الجديد.

فلبنان المنهار، بات بلداً (في حال لا يزال ممكناً اعتباره كذلك) معلقاً مصيره ومستقبله على المجهول.

في العام الماضي إكتملت كلّ عناصر خروج لبنان واخراجه بإحكام من مفهوم الدولة التي يحكمها قانون ودستور ومؤسّسات.

ومن أبرز علامات الإنهيار:

– إنتهاك الدستور، واعتماد أعراف مستحدثة من خارج روحيّتة، تؤجج الصراعات الطائفية على السلطة، وتعمّق الأزمة السياسية المفتوحة.

– العزلة الدولية والعربية.

– الفراغ الرئاسي.

– عدم السماح لرئيس الحكومة المكلّف، بتشكيل حكومته، قبل انتهاء الولاية الرئاسية.

– عدم تمكين حكومة تصريف الأعمال من القيام بأدنى ما يمكن أن تقوم به للتخفيف من معاناة اللبنانيين.

– تعطيل دور مجلس النواب.

– إنهيار العملة اللبنانية والاقتصاد الوطني والنظام المصرفي.

– إنكشاف تسييس القضاء، وتخاذل القضاة وتقاعسهم عن واجبهم، من خلال إمعانهم في الإضراب المطلوب منهم.

– ترهّل الفساد وتفشيه في كلّ الادارات ومؤسسات الدولة.

– إنعدام الحماية الاجتماعية للمواطنين المكشوفين.

– تزايد الجرائم بكلّ أشكالها.

– إعتماد الأمن الذاتي مناطقياً وطائفياً. 

– شعور اللبنانيين بإستحالة التعايش في ما بينهم.

– العودة الى الطروحات التقسيميّة التي راجت خلال الحرب اللبنانية، تحت مسميات مبطّنة (الفديرالية واللامركزية الموسعة).

وما فاقم الإنهيار، المرشح للتزايد والتعاظم في العام 2023 أنّ جميع الفرقاء السياسيين فقدوا أيّ امكانية أو قدرة على إبرام تفاهمات أو تسويات، وإن كانت “ترقيعية” لوقف الإنهيار، أو حتى لتبطيئه، بعدما فقدوا الأهلية الوطنية والسياسية، وانعدمت الثقة في ما بينهم، ولم تعد توجد مساحة مشتركة لتحاورهم، من جراء “المتاريس السياسية” التي تفصل بينهم، مما يجعلهم عاجزين وقاصرين عن أن يؤتمنوا على ابتكار الحلول، فيلجأون عوضاً عنها إلى إفتعال المزيد من الأزمات الوهمية، لملء الفراغ السياسي في الوقت الضائع، مراهنين على تدخّل خارجي يأتي بتسوية ما، كما جرت العادة، كلّما عجز الفرقاء اللبنانيون عن التوصّل الى اتفاق داخلي لحلّ أزماتهم الداخلية المتلاحقة المتداخلة بحكم إرتهانهم مع العوامل الخارجية.

هذا يعني أنّ الإنهيار الذي كان عنواناً عريضاً للعام الفائت، مرشح للاستمرار وبوتيرة متسارعة خلال العام 2023، أقلّه في النصف الأول منه، في ظل غياب لبنان وتغييبه عن الاهتمامات الخارجيّة الجديّة، كنتيجة طبيعية للأزمات التي افتعلها العهد البائد مع الدول العربية من جهة، وإخلاله بكلّ ما طلب منه من إصلاحات بنيويّة من جهة أخرى، فضلاً عن تعثّر المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، وبالتالي الحرب الروسية على أوكرانيا بكلّ تداعياتها، التي جعلت عواصم القرار الدولية تدير ظهرها لكلّ أزمات الشرق الأوسط، وضمناً لبنان، ما يجعله في أزمة مفتوحة وطويلة، تنذر بإستمرار انهياره، بإنتظار التسويات الكبرى للمنطقة البعيدة المنال!

شارك المقال