العونيون… تاريخ من التعطيل

مارون مارون

ثمانية أشهر تقريباً على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة، والحكومة لم تبصر النور بعد… فترة كان نصفها كافياً لانطلاق ماكينة الشتم لدى التيار العوني والتصويب على الحريري من أكثر من اتجاه، بهدف إلصاق تُهم التعطيل بالرئيس المُكلّف، بحيث بدأت حرب البيانات تتطاير بين الشالوحي وبعبدا من جهة، والرد عليها وتوضيح ملابساتها وخلفياتها من بيت الوسط من جهة ثانية.

بعدها تطوَرَ الأمر إلى تسريب فيديو من قصر بعبدا يتضمّن كلاماً للرئيس عون يعتبر فيه أن الحريري “يكذب”، ويقوم بجولات سياحية، ولم يُسلّمه بعد مسوّدة تشكيلة حكومية، كل ذلك على وقع مبادرات فرنسية وداخلية لم تنجح أي منها، وذلك بالتزامن مع اشتداد الأزمة النقدية والمعيشية بشكل غير مسبوق، لدرجة أن البنك الدولي قد وصف الأزمة المالية والاقتصادية التي يمرّ بها لبنان هي الأسوأ في العالم منذ ١٥٠ سنة.

هذا العرض الذي قدّمناه، هو للقول إن الفريق العوني يجعل من الحَرَام حلالاً، ومن الحلال حَرَاماً، وفقاً لما يراه مناسباً لسياسته الهوجاء، بحيث ينتقد سواه عند رفض شروطه، وينظم القصائد لنفسه عند ممارسته هذه الهواية، فقد سمح لنفسه بشلّ البلاد لسنتين ونصف السنة من خلال تعطيل النِصاب، ومَنع انتخاب رئيس للجمهورية، بهدف تعبيد الطريق للنائب ميشال عون للتربّع على كرسي الرئاسة، حينها كان التعطيل حلالاً وعملاً وطنياً يهدف إلى إنقاذ البلاد والعباد.

وقَبل ذلك احتلوا وسط بيروت لأشهر طوال، ونصبوا الخِيَم، وأقفلوا مجلس النواب، واجتاح حلفاء التيار العوني، أي مليشيات “حزب الله”، العاصمة بهدف إخضاع قيادات ١٤ آذار آنذاك، وإرغامها على الذهاب إلى الدوحة لانتزاع توقيع غير معلن على تشكيل الحكومات، ما عُرف لاحقاً بالثلث المُعَطِّل، والأهم تعطيل أية إمكانية لانتخاب رئيس للجمهورية من قوى ١٤ آذار، علماً أنها كانت تُمثّل الأكثرية النيابية، إلا أن آلة القتل وإقفال وسط بيروت واجتياح أم الشرائع، فرض انتخاب قائد الجيش يومها رئيساً للجمهورية، بحيث جرت الرياح كما لم تشتهِ السفن العونية، لأن الرياح الإقليمية والدولية لم تكن مؤاتية لانتخاب عون.

بعدها تابع التيار العوني سياسة التعطيل، ومنع تشكيل الحكومة، إلا بعد فرض جبران باسيل (المرشّح الراسب في الانتخابات النيابية التي جرت العام ٢٠٠٩ عن دائرة البترون) وزيراً في الحكومة الثانية من عهد الرئيس ميشال سليمان، الذي كان قد أبلغ كافة قيادات الصف الأول بضرورة احترام الإرادة الشعبية وطلب عدم توزير مَن رفضه وأسقطه أبناء دائرته الإنتخابية، إلا أن تعنّت عون وإطلاق مقولته الشهيرة آنذاك “لعيون صهر الجنرال ما تتشكل الحكومة” أدّى إلى تعطيل الاتفاق وبالتالي توزير صهره الراسب.

بعد كل ما تقدّم، يثبت بالوقائع، أن التيّار العوني هو ربيب التعطيل في لبنان، وهو أول من أطلق هذه الظاهرة وتغنّى بها ومارسها، واتهم سواه بها، حتى سقط لبنان من لائحة الدول الرائدة إلى قعر البلدان المتخلّفة، كل ذلك بفضل تيّار أراد رئيسه أن يُعطي الغرب دروساً في إدارة بلدانهم بدون موازنات، حتّى أصبح لبنان بدون وزنات ولا توازن…

ولسلامة النقاش، وتسليماً للجدل، نفترض أن الرئيس الحريري يُمارس التعطيل بهدف الفوز بترؤس الحكومة… ألا يحق له القيام بما قام به عون للفوز بكرسي الرئاسة؟ الجواب هو على قاعدة “كما تراني يا جميل أراكَ”، إن لم نقل وفقاً لشريعة حمورابي “العين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم”، وفي الحالين فإن الشعب اللبناني هو منَ يدفع الثمن والجزية والفدية… والسلام.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً