بعض من صور الطفولة في سوريا الأسد

عالية منصور

قبل أيام عُرض تقرير تلفزيوني عن طفل يدعى شيفان، كان يبلغ الرابعة من عمره عندما اعتقله نظام بشار الأسد مع شقيقه محمد البالغ حينها 13 عاماً ووالدتهما نسرين أونلي، بعد أن أُفرج عنهم بصفقة تبادل بعد عشر سنوات أمضوها في أقبية المخابرات الجوية. تهمة هذه العائلة أن والدهم العقيد بسام السنبكي انشق عن جيش النظام بعدما رفض إطلاق النار على المتظاهرين.

هذه صورة من صور سوريا الأسد. أن يمضي طفل كل سني طفولته بين أربعة جدران يسمع أصوات المعذبين كل يوم وكل ساعة، وألا يخرج إلا بصفقة تبادل. هذا الأمر لا يحصل إلا في سوريا الأسد وفي القرن الحادي والعشرين.

الغريب كان استغراب البعض وذهولهم بعد مشاهدة التقرير، علما أن الجميع يعلم أن الثورة السورية انطلقت بعد اعتقال الأطفال في درعا وتعذيبهم في أقبية المخابرات.

من منا لا يتذكر حمزة الخطيب… حمزة الذي كان يبلغ الـ13 من عمره يوم شارك بتظاهرة سلمية تطالب بفك الحصار عن مدينة درعا، فاعتقلته المخابرات الجوية لتعيده إلى أهله بعد أسابيع جثة مشوهة من آثار التعذيب.

من منا لا يذكر كيف روى الراحل ميشال كيلو قصة الطفل الذي ولد في المعتقل وعندما أراد إخباره قصة تفاجأ أن الطفل لا يعرف ما هي الشجرة وما هو العصفور؟

في سجون الأسد يوجد ما لا يقل 3613 طفلاً معتقلاً وفق إحصاء منظمات حقوقية، وأكثر من 180 طفلاً قتلوا تحت التعذيب. وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت تعرض ما لا يقل عن 7457 طفلاً للتعذيب في مراكز الاحتجاز، التابعة لقوات النظام السوري، وذلك منذ آذار 2011 وحتى آذار 2016. لهؤلاء الأطفال قصص وأسماء وأمهات تنتظر، فقط في سوريا الأسد يتخذ الأطفال رهينة ويعذبون ويقتلون في السجون بسبب آراء ذويهم السياسية.

في شهادتها عن فترة اعتقالها قالت المعتقلة السورية السابقة سمر الخالد إن “أصوات صراخ الأطفال جراء التعذيب في سجون الأسد ليلاً كانت تمنعهم من النوم”. هذا التعذيب ليس بغرض نزع الاعترافات كما تفعل الأنظمة التوتاليتارية بمعتقليها. هذا التعذيب هو بهدف التعذيب. فهذا النظام حاقد على سوريا والسوريين من لحظة ولادتهم إلى لحظة مماتهم، وإن لم ينجح بتهجيرهم فهو حتماً سينجح بقتلهم وإذلالهم، يريد من السوريين أن يقولوا بصوت واحد “ربكم بشار”. وأليس هذا ما كانت تطالب به العناصر الأمنية والشبيحة عندما كانوا يعتدون على المتظاهرين؟

أحد القضاة عندما أدلى بشهادته لمنظمة العفو الدولية، عن سجن صيدنايا وهو كان شاهداً على إحدى عمليات الإعدام بنفسه، ذكر أن السجناء كانوا يعلقون على المشانق “بين 10 إلى 15 دقيقة”، وأضاف أن صغار السن ونحيفي الأجسام ممن لم تكن المشنقة كافية لقتل الواحد منهم بسبب وزنه الخفيف، كان يتولى نواب الضباط مهمة تعذيبهم، حيث كانوا يسحبونهم بقوة إلى الأسفل ويكسرون عظام رقابهم.

هذه الصور لا تحصل إلا في سوريا الأسد، وهذه صور من كثير كثير من الصور التي تحصل في سجون الأسد، بعض هذه الصور هز العالم عندما استطاع قيصر الهروب بها وعرضها، ولكن صور قيصر توثق لمرحلة قصيرة خدم خلالها قيصر في أفرع الأسد الأمنية.

لم يعد من المجدي ربط إنهاء مأساة المعتقلين السوريين، أطفالاً ونساء وشيباً وشباباً بالحل السياسي، هذه مسألة إنسانية غير قابلة للتفاوض، وإن كانت مؤسسات المعارضة السورية الرسمية قبلت يوما بالتفاوض على هذا الموضوع، إلا أن المطلوب اليوم وغداً وأمس إنهاء هذه المأساة، فنحن أمام جيل من السوريين لا يعرف إلا السجون واللجوء.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً