الفراغ يضرب كل مؤسسات الدولة!

محمد شمس الدين

لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يحكم في ظل الفراغ، هو عجيبة من العجائب السياسية التي ستدرس يوماً في كبرى معاهد السياسة في العالم، ولكن ليس للاقتداء به، بل كقصة تحذيرية، وسنرى في المستقبل القريب، أطروحات الماجستير والدكتوراه تتناول دراسة الحالة اللبنانية الغريبة، التي يعجز عن تفسيرها أعتى علماء السياسة. بلد يحكمه الفراغ أكثر من السلطات فيه، لا أحد يستطيع اتخاذ قرار واحد، ودائماً انتظار الضوء الأخضر من الخارج.

استحقاقات أساسية تنتظر البلد هذه السنة، ولا يمكنه تخطيها في ظل سلطة منقوصة، تحديداً إذا طال أمد الفراغ الرئاسي، وبوجود من يرفض فكرة اجتماع الحكومة لإقرار المراسيم. ولكن هل يمكن تعيين حاكم مصرف مركزي جديد عبر مرسوم جوال؟ وماذا عن مديرية الأمن العام، بحيث تنتهي ولاية اللواء عباس ابراهيم في آذار المقبل، فكيف يمكن تعيين خلف له؟ أو ماذا عن المدراء العامين، هل يمكن تعيينهم عبر مراسيم جوالة؟

بالطبع، كل هذا ولم نقترب من التشريع، اذ ليس هناك بلد لا يعمل فيه مجلسه النيابي ويتم اقتراح القوانين وتشريعها، تحديداً في النظام البرلماني، الذي يكون فيه مجلس النواب هو السلطة الوحيدة المنتخبة من الشعب، مصدر السلطات، وبوجود رفض لكل ما يتعلق بتسيير أمور البلد في ظل غياب رئاسة الجمهورية، قد لا يستطيع المجلس الالتئام لعقد جلسات تشريعية.

رأت مصادر متابعة في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الفراغ الرئاسي سيضرب كل مؤسسات الدولة إذا استمرت الأمور كما هي اليوم، وبالتالي سيكون البلد في حالة شلل تام، تحديداً إذا لم يتم التمديد للواء عباس ابراهيم أو تعيين خلف له، وإن تم تسيير الأمن العام بالوكالة، فهو ترقيع سينفجر عند نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان بعده بأشهر، وهنا الاشكالية الكبرى، فرياض سلامة بغض النظر عن أدائه، ومن دون الخوض في التفاصيل إن كان يعمل بصورة صحيحة أم لا، فهو أفضل من الفراغ، هذا عدا عن الاشكال الكبير الذي سيحصل في حال تسلم نائبه الأول مهامه، فالموقع هو للطائفة المارونية، والنائب الأول للحاكم شيعي، وهذا سيخلق جدلاً كبيراً في البلد، وستكون بكركي على رأس من يخوض معركة بسبب هذا الأمر. وهنا يطرح السؤال عن رد فعل الفريق الذي يحمل لواء الدور الماروني، أي التيار الوطني الحر، هل يقبل عندها بجلسات الضرورة أم سيستمر في سياسة الابتزاز حتى يسير حلفاؤه مع أجنداته؟ أصلاً هل سيبقى له حلفاء عندما يصل البلد إلى هذه الحالة؟ للأسف امتهن السياسيون اللبنانيون اللعب على حافة الهاوية، يعيشون اللحظة ولا يفكرون في المستقبل، الأهم بالنسبة إليهم هي الشعبوية والمصالح الخاصة”.

الفراغ هو القاتل الأكبر للبلد، واليوم لا يزال هناك من يرفض الحوار لسد الفراع، بانتظار انقشاع المشهد الاقليمي، لا سيما أنه في العالم الجديد لا رابح وخاسر واضح، إنما يكون هناك من خسر بعض الشيء ومن ربح أكثر، ولكن عند الوصول إلى التسوية الجميع يأخذ حصة، وبالتالي الأفرقاء اللبنانيون لا يريدون تقديم أي تنازلات اليوم، فماذا لو أن التسوية الاقليمية أعطتهم حصة أكبر؟ وإلى حين ذلك الوقت، سيتسلل الفراغ إلى كل مؤسسات الدولة، وستصاب بالشلل أكثر مما هي مشلولة اليوم.

شارك المقال