لبنان يلفظ أنفاسه… الحلّ حلّ مجلس النواب!

محمد نمر
محمد نمر

من يتابع المشهد السياسي في لبنان، يدرك أننا أمام مريض يلفظ أنفاسه الأخيرة. فالجمهورية اللبنانية على مشارف التفكك، بعد ٦ سنوات من عهد نجح في تمزيق الدستور ووضع المؤسسات في مهب الزوال واللبنانيين في حالة “الشحادة”.

لا تحتاج الأزمة اللبنانية الى فلسفة من النوع السميك، ولا الى تنظير عن بعد. فنحن أمام:

– سلطة تنفيذية ممثلة بشغور في رئاسة الجمهورية قد يطول أشهراً، وبحكومة تصريف أعمال.

– سلطة تشريعية ممثلة بمجلس نواب عاجز عن اتمام أي استحقاق دستوري، نتيجة شكله الهجين المشابه لقانون الانتخاب الذي أنتجه.

– سلطة قضائية ممثلة بقضاء غير مستقل وبملفات قضائية معطلة وموقوفين بلا محاكمات.

حالة السلطات الدستورية الثلاث، مزيّنة بأزمة اقتصادية غير مسبوقة، وانهيار للعملة الوطنية وارتفاع للأسعار، وشلل في المؤسسات، مواكبة باشتباك سياسي بأدوات طائفية، بلغت حد ضرب العيش الواحد بين اللبنانيين، والدعوة الى التقسيم أو الفديرالية، مع شعبوية مفرطة وانفصام لدى بعض القيادات.

في رئاسة الجمهورية، درجت العادة أن تُطبخ تسوية في الداخل وتعرض على الخارج، أو العكس يطبخ الخارج عناوين تسوية عبارة عن سلة ويفرضها على الداخل. الحالتان غير متوافرتين في المرحلة الحالية.

الخارج يرى أمامه شركة بلا مدير، ومجلس ادارتها مختلف في ما بينه، والموظفون يهاجرون أو لا يحضرون الى العمل أو غير مبالين، فلماذا يستثمر الخارج في لبنان؟

في السياسة نضع الدول التي يتأثر بها لبنان، فرنسا وأميركا والسعودية وأخيراً قطر وطبعاً ايران.

الأولى حصلت على مبتغاها عبر شركة “توتال” ومستعدة لأي سيناريو يطلق عمل شركتها في لبنان، على قاعدة “المهم نمشي” وكل سياستها منذ حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى اليوم فشلت، علماً أنها تتعاطى مع الملف اللبناني مثلما تتعاطى القوى اللبنانية، أي بالمحاصصة على قاعدة “نبيع ونشتري”، ويوم مع جهاد أزعور كمرشح للرئاسة ويوم آخر مع قائد الجيش. من دون أن ننسى تلويحها الدائم بالعقوبات، لكن المصيبة أنها لا تلوح بالعقوبات على فاسدين، بل على من لا يرضخ لمطالبها.

والأهم أن فرنسا منشغلة تماماً بحالتها الداخلية، وبالحرب الأوكرانية -الروسية، ولا أموال لديها لتساعد لبنان، حتى مشاريع “سيدر” التي جهد الرئيس سعد الحريري في تجميعها وتم تعطيل الاصلاحات المطلوبة لها، طارت ولم تعد متوافرة.

الثانية (أميركا) حققت هدفها: الترسيم وأمن اسرائيل وغازها، وعادت الى معاركها العالمية، وتغيّر وضع قيمة الدولار فيها سبّب وسيسبّب المزيد من الأزمات في الدول خصوصاً لناحية انهيار العملات ومنها اللبنانية.

الثالثة (السعودية) خسرها اللبنانيون جراء تصرفات “حزب الله” وباتت عودتها تحتاج الى مشقة كبيرة. والأكيد أيضاً أنها منشغلة برؤية ٢٠٣٠ التي وضعت المملكة كدولة عظمى في أقوى اقتصادات العالم، فضلاً عن الانشغال بأمنها وبحرب اليمن. اما لبنان فميؤوس منه بالنسبة اليها ولم يعد على رأس أجندتها، لكنها ثابتة سياسياً في موقفها: لن أسمّي رئيس جمهورية ولن أتدخل في شؤون لبنان وليحدد اللبنانيون مسارهم وأحدد مساري. وتتوقف عند صفة واحدة لرئاسة الجمهورية: ألا يكون الرئيس تابعاً لجهة واحدة، في اشارة واضحة الى اعتراضها على ايصال سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية.

الرابعة (دولة المونديال) دخلت أخيراً الملف الرئاسي ولكن من البوابة الخاطئة عبر دعوة جبران باسيل اليها، وتقديم بعض الامتيازات له، مقابل الموافقة على طرح جوزيف عون. وأيضاً لم تفلح المبادرة.

أما الأخيرة (ايران) فهي مصيبة لبنان وعلّته. فتدخلاتها في لبنان ودعمها ميليشيا “حزب الله” من أهم أسباب ما أصاب لبنان، وتبقى متربعة على عرش التعطيل فيه. ففي العلن توحي بأنها تسلم كل القرارات لـ “حزب الله” وفي الخفاء تستخدم لبنان كصندوق بريد في مواجهة الخارج.

وعلى الرغم من ذلك تعيش ايران أزمة في شارعها. فوفق القراءات الدولية، بات واضحاً أن أميركا والغرب والعرب يراهنون على اهتزاز يصيب النظام في ايران، يمكن أن ينعكس ايجاباً على الاتفاق النووي الايراني وبالتالي تبدأ الحلحلة في المنطقة.

وحال الدول معطوفة على انشغال العالم بأزمة اقتصادية، جراء الشلل الذي رسمه فيروس كورونا، والانشغال بالحرب الأوكرانية – الروسية وتداعياتها الخطيرة، كمصر مثلاً التي غرقت في الديون، وعملتها تتهاوى.

اذاً، الخارج لا يعنيه لبنان حالياً، ولبنان الداخل ليس جاذباً لأي استثمار خارجي، فهو بقعة جغرافية منسية… ماذا عن تسوية داخلية؟

أنتج قانون الانتخاب الهجين مجلس نواب بلا أكثرية أو أقلية، عاجزاً عن انتخاب رئيس جمهورية. أشهر ونسجل سنة على البرلمان الجديد، فيما لبنان الى الوراء در.

كل القوى السياسية خلف متاريسها، ولا مؤشرات على تسوية قريبة. واذا استمر الوضع على هذه الحال لأشهر فان الجمهورية اللبنانية ستصبح كالصاروخ الذي يسبح في الفضاء وحده بعدما انفك عن المركبة الفضائية.

بات واضحاً أن الشركة تحتاج الى مجلس ادارة جديد، ولن يكون الا بقانون انتخاب جديد. حجم المسؤولية يقتضي من النواب الحاليين العمل سريعاً على تغيير قانون الانتخاب، وحلّ المجلس الحالي واعادة الانتخابات النيابية لتفرز مجلس نواب حقيقياً ينتخب رئيس جمهورية ويكلف رئيس حكومة، لتنطلق بعدها رحلة لبنان الجديد.

شارك المقال