هؤلاء تمردوا على باسيل وعون لينجوا من مركب يغرق!

جورج حايك
جورج حايك

لا تنتهي المشكلات والانتفاضات داخل “التيار الوطني الحر”، حتى عندما كان مؤسسه العماد ميشال عون رئيساً له، واستمرت هذه الظاهرة مع رئيسه الحالي جبران باسيل، بل ازدادت، بحيث نسمع كل مرة حالات انشقاق عن “التيار” أو تمرد نوابه ووزرائه، وهذا ما يعبّر عن تخبّط وإدارة غير متزنة نتيجة غياب المبادئ وسيطرة المصالح الشخصية للقيادة على كل الاعتبارات الأخرى. وأحياناً يبرز تباين لبعض الشخصيات التي تدور في فلكه كما حصل مؤخراً مع وزير السياحة وليد نصار الذي شارك في جلسة حكومية دعا اليها الرئيس نجيب ميقاتي وقاطعها كل وزراء “التيار” والمحسوبين على الرئيس عون، واعتبرها المحللون صفعة لـ”التيار”.

أكثر من قيادي في “التيار” وصف إدارة باسيل له بـ “الفاشلة”، وتتميّز بـ”الشخصنة والفردية” مهمّشاً من يعتبرون أنفسهم “أساس” تيّار أسهموا في تأسيسه، وواكبوا مختلف مراحله. لكن في كل الأحوال، يبقى الأكيد أن خلافات “التيار” لا تخدمه في هذه المرحلة، بل إنها قد توظَّف من جانب الخصوم خير توظيف، بحيث ينتظر البعض الجثة على ضفة النهر!.

وآخر الخلافات التي ظهرت على الاعلام، الانقسام العمودي داخل التيار بين من يصر على اعتماد مرشح حزبي، ومن يتفق مع باسيل على التصويت لأسماء من خارج “التيار”، فالعونيون المؤسسون القدامى مثل النواب آلان عون وسيمون أبي رميا وإبراهيم كنعان يمثلون رأس حربة في الطرح الأول، وخصوصاً أن عون وكنعان لديهما حظوظ باستقطاب أصوات نواب من كتل أخرى في حال اعتمد ترشيح أحدهما بخلاف باسيل!.

وقد سبقت هذه الخلافات حرب اقالات وصلت إلى النائبين السابقين ماريو عون وزياد أسود بسبب خلافات مع باسيل، بعدما اتهماه بأنه يعمل على تقويض مؤسسي “التيار” وكوادره لصالح ضم أصحاب رؤوس الأموال. كما فضّل النائب الياس بو صعب التغريد بصورة مستقلة عن “التيار”، وباتت مواقفه غير متطابقة تماماً مع باسيل، علماً أنه منذ انتخاب الأخير رئيساً في 27 آب 2015، سجّل اعتراض من المجموعة المؤسسة لـ”التيار” على الأسلوب غير الديموقراطي في انتخاب رئيس له، وكان أولى ضحايا حركة الاعتراض: زياد عبس ونعيم عون وأنطوان نصر الله وغيرهم، إذ عالجهم باسيل بالطرد من “التيار” في العام 2016، قبل أن تتنامى حركة الاعتراض في العام 2019 على أثر الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في بيروت، والمعارضة السياسية لمقاربات باسيل، فطرد من “التيار” في العام 2019 قياديين أبرزهم رمزي كنج.

ويحمّل القياديون المنشقون النائب باسيل مسؤولية تراجع المؤيدين لـ”التيار”، بسبب إخفاقاته في السياسة مما أدى إلى تراجع تمثيل “التيار” من 70 في المائة لدى المسيحيين في العام 2005، إلى نحو 25 في المائة من المسيحيين في انتخابات 2022، إضافة إلى تراجع عدد تكتله النيابي إلى حدود العشرين نائباً مع حلفائه أخيراً، بعدما كان تكتله يضم 29 نائباً في الانتخابات السابقة عام 2018.

ويبدو أن ما يجري في “التيار” هو إخراج العونيين منه لصالح الباسيليين، لأن باسيل يعمل على مخططٍ يحتاج إلى مُطيعين وتيار على قياسه لتنفيذه.

والمفارقة أن كثراً من الرموز والوزراء والنواب تعاملوا مع “التيار” وكانوا مقربين من عون أو باسيل ثم قرروا الابتعاد عنه بعدما اكتشفوا ما يتناقض مع مبادئ الاصلاح والتغيير، وأهم هذه الرموز اللواء عصام أبو جمرة الذي كان وزيراً في الحكومة العسكرية التي شكّلها عون في أواخر الثمانينيات وخاض معه حربي التحرير والالغاء، ثم كان إلى جانبه في 13 تشرين الأول 1990، قبل أن يغادر معه إلى فرنسا ويعود في العام 2005. إلا أن أبو جمرة وصف عون بجرأة وصراحة، معتبراً أن مشكلة هذا الرّجل ليست في نرجسيّته وحنينه للعودة إلى ما قبل اتفاق الطائف، بل في إلحاق لبنان بمحور إيران، متخطّيًا إرادة غالبيّة اللّبنانيّين، التي تريد الحياد وإبعاد لبنان عن المحاور الغربيّة والشّرقيّة. ورأى من خلال ممارساته أنّه ليس رجل مؤسّسات بل رجل سلطة فاشل، طبع حياته بـ”مسيرة الفراغ” الممتدّة منذ العام 1988 حتّى اليوم!.

الاسم الثاني الذي تسلم حقيبة وزارية بتكليف من عون كان شربل نحاس، وبعد فترة ظهر خلاف بين الرجلين، وقيل إن عون ضحّى به كشرط لحصوله على حصّة في الدولة!.

وعندما انتخب عون رئيساً كانت له اليد الطولى في تعيين جان العليّة رئيساً لدائرة المناقصات، لكن سرعان ما اكتشف العليّة تصرفات مشبوهة وتجاوزات للقوانين لدى وزراء الطاقة التابعين لـ”التيار”، وسلّط عليها الضوء بالوقائع والبراهين.

من جهة أخرى، اختار عون القاضي سهيل عبود رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، إلا أن الأخير رفض وضع التشكيلات القضائية في الجارور، وإطلاق يد القاضية غادة عون لفتح الملفات ارضاء لـ”التيار الوطني الحر”، فأصبح عبود هدفاً مباشراً له في محاولة لتشويه صورته وإقالته من موقعه.

وفي طليعة الأسماء المحسوبة على العهد العوني كان قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي اتهمه باسيل بأنه قاد “الانقلاب” ضد الرئيس عون بترك الذين انتفضوا على المنظومة الحاكمة في 17 تشرين الأول 2019 يسيطرون على الشوارع، فيما كان العماد عون يحقق انجازاً في المؤسسة العسكرية عبر الحفاظ على السلم الأهلي في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها البلد، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الأمنية الأخرى. ورفض تدخل باسيل والسياسيين في تعيينات الجيش لأنه رجل مؤسسات.

ولا يغيب عن البال تخلي معظم النواب الذين تحالفوا مع باسيل وانخرطوا في تكتله نتيجة معرفتهم أن “مركب التيار” يتجه إلى الغرق، وأبرزهم نعمة افرام وميشال معوض وميشال ضاهر وشامل روكز وغيرهم.

هذا غيض من فيض هروب الشخصيات السياسية من نهج سياسي خال من القيم الأخلاقية، ويتّسم بالتناقضات، ولا شك في أن رئيس “التيار الوطني الحر” قادر على أن يخدع البعض أوقاتاً لكنه لا يستطيع أن يخدعهم في كل الأوقات، وبات أداؤه مكشوفاً، وهو يعمل على تغيير “التيار” من الداخل لكي تكون كل المواقع القيادية إلى جانبه محسوبة عليه، فيكتشف بعضها بعد فترة أن منسوب الديموقراطية شبه معدوم، ولا مكان سوى لمن يطيعه ويرضخ لسياسته مهما كانت مؤذية على الصعيد الوطني.

شارك المقال