لبنان ينتظر اللاشيء… هل بدأ العد العكسي لوصول فرنجية؟

ليندا مشلب
ليندا مشلب

شارف الشهر الأول من العام الرابع في زمن الأزمة التاريخية على الانتهاء ولم يحدث أمر خارج التوقعات في مسارها الطبيعي، تآكل في مؤسسات الدولة، اهتراء على كل المستويات، هجرة غير مسبوقة، دولار يرتفع بصورة صاروخية، أمور الناس تسير بـ “التدفيش”، لبنان يخرج تدريجياً من الأنظمة العالمية، وكل شيء معلق على الحل السياسي لتلمس مسرب يتم الانطلاق منه مجدداً نحو النهوض.

وكما العادة يعود الأمن والمخططات من الأبواب العريضة لتنفيذ أجندات معينة أو للتخويف والترهيب، لكن الناس ملت هذه السيناريوهات التي باخت وهي تدرك تماماً ما هو مسموح وما هو غير مسموح، وطالما القرار الخارجي – على الرغم من ترك لبنان لأقداره وسوء ادارة حكامه – بالمحافظة على الاستقرار وعدم التفلت و”ضب” خلايا الرعب الأمني، قائم، لا خوف على الأمن، هذا ما يؤكده مرجع أمني رفيع لـ “لبنان الكبير”، فكثرة الكلام عن شيء يحضر لنا هو كلام “بلا طعمة” يقول المرجع، مضيفاً: “نحن في مرحلة جمود وانتظار (اللاشيء) الى أن تتحلحل الأمور قليلاً في المنطقة أما عودة الحديث عن التقسيم والفديرالية فهما أبعد من السماء، وهذه الخطوة بالأمس البعيد كان يمكن أن تتحقق وكانت ظروفها مساعدة أكثر ولم تحصل، فكيف اليوم وقد تلاشت كلياً وأصبحت تحتاج الى تطورات دراماتيكية قاسية جداً وتركيبة أحزاب مختلفة تماماً؟ وهذا الأمر بعيد عن الواقع بحيث أن تغيير النظام نفسه بات من المستحيلات في المدى المنظور، واذا كان لبنان وفي نظر الحالمين يعيش قيامة جديدة فإن هذه القيامة لن يشهدوها هم أو أولادهم والأمل أن تكون مع أجيال قادمة أقله جيلين الى الأمام”.

هو ليس يأساً يقول المرجع انما وقائع وحقائق طالما أن لا شيء سيتغير ويتبدل “الا بقدرة الله”، أو بخرق وحيد نحو بداية حل وليس التغيير المنشود، يمكن أن يتأتى من تطور في العلاقات الايرانية – السعودية وغير ذلك “لا نتعب ولا نشقى”، فالمجتمع الدولي في أوكرانيا التي تخسر الحرب ليس في وارد البحث في ترتيبات اقليمية، كما يمكن أن يكون الخرق اقليمياً بمعزل عن الأميركيين أو بـ “قبة باط” قد تواكب كذلك بتسوية داخلية، وهذا ما يتم البحث فيه حالياً، اذ بحسب مصادر سياسية مقربة من ٨ آذار فإن الرسالة الشفهية التي نقلها وزير الخارجية السعودي على هامش مؤتمر الأردن الى نظيره الايراني عن ولي العهد لكي يوصلها الى الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي مضمونها أن ولي العهد يتطلع الى أحسن العلاقات مع ايران لما فيه مصلحة الشعبين والمنطقة، وهذه الخطوة هي تطور كبير في الملف مع الأخذ في الاعتبار أن الخارج غير مبال، لكن عدم مبالاته لها درجات والمملكة السعودية مهما قيل عن ادارة ظهرها للملف اللبناني فالكلام لا يحاكي الحقيقة وهي أن السعودية لم تكن يوماً غير مهتمة وغير مبالية، أما الأميركي فالصحيح أنه مشغول كلياً وأصبح في مكان ثانٍ على الرغم من أنه “يطلطل” من وقت الى آخر على الملف اللبناني للاطلاع وليس للمعالجة.

من هنا تقول المصادر: “ان الاتفاق الاقليمي سيسمح بالسير بسليمان فرنجية وفرض انتخابه ويمكن أن يفتح له آفاقاً واسعة لوضع البلد على السكة”. وتكشف أن الثنائي متريث في طرح فرنجية لأن الانجاز لا يكون بإيصاله انما بضمان نجاح حكمه وإحداث الخرق المطلوب عند وصوله الى قصر بعبدا في ظروف جيدة ومريحة، وهذه الظروف لم تتوافر بعد والاتفاق الايراني – السعودي سيعجّل في إنضاجها.

والحراك الذي يقوم به “حزب الله” ليس بمعزل عن هذه الاشارات، وما نقل عن وليد جنبلاط لأحد المقربين من فرنجية هو اشارة قوية ورسالة الى سمير جعجع الذي سبق وأعلن في مقابلة تلفزيونية أن زعيم “الاشتراكي” لم يوافق على فرنجية. اذ قال جنبلاط لصديق مشترك مع فرنجية: “أنصحه عندما يصبح رئيساً أن يستفيد من خبرة صلاح حنين ويوزره في أول حكومة في عهده”. وقد فهم من هذا الكلام أن جنبلاط لا يعارض وصول فرنجية الى سدة الرئاسة وراداراته التقطت اتجاه الأمور.

وتضيف المصادر: “ان فرص فرنجية تتصاعد لكن الثنائي لا يريد أن يكرر الخطأ ولا يفكر ماذا بعد ايصال الرئيس المتوافق عليه، فالانجاز الأهم كيف سيعمل وفي أي ظروف ومدى انفتاحه على القوى السياسية والمحيط العربي وليس صفقة بين طرفين أو ثلاثة بمعزل عن الآخرين وعن المظلات الدولية والاقليمية المطلوبة وترتيب مرحلة ما بعد الانتخاب هي الأهم. من هنا دعوة الرئيس نبيه بري الى إنجاز التفاهمات والاتفاق ورفضه الذهاب الى خطوات غير مدروسة، فهو يرى أنه ربما ينتخب رئيس في المجلس بفلتة شوط لكن ماذا سيفعل؟ وهل الوصول الى بعبدا هو الهدف فقط أم انقاذ لبنان بالتعاون مع الجميع؟ فبحسب النظام القائم ليس رئيس الجمهورية من يبني انما من يجمع، ومهمته أن يؤمن التفاف كل اللبنانيين حوله لبث الأجواء الايجابية وخلق مناخات مؤاتية للعمل على مستوى الكيانات وطمأنة كل الأطراف وأهمها: انفتاح على العالم وتحصين العلاقات العربية، لا تقسيم ولا سلام مع اسرائيل ولا للعيش خلف المتاريس وداخل كانتونات سياسية وطائفية، ولا طعن بالمقاومة التي تحمي ظهر لبنان، اما ادارة البلد واستعادة عافيته فستكونان من مهمات السلطتين التشريعية والتنفيذية بإشرافه”.

وتختم المصادر بالقول: “آن الأوان لمعرفة أن ثبات القوى السياسية التي حوصرت واستخدمت كل الأساليب معها لتركيعها، فرض نفسه في المعادلة لبحث أي تسوية. وحصل حديث مع الرئيس بري بعد اعتصام النواب في القاعة، فقيل له: كم هي حظوظ ميشال معوض ليكون رئيساً؟ أجاب: معدومة. قيل له: اذاً حظوظ فرنجية أيضاً صفر ومعدومة. لكن اذا تراجعنا نحن وأنتم الى منطقة رمادية لا وجود لمعوض ولا لفرنجية فيها، فهل هذا ممكن؟ لم يجب الرئيس بري”. لكن الواقع أن كل فريق ٨ آذار مقتنع بأن لا مرشح بالمواصفات المطلوبة ليس لفريق انما للجميع ولو بنسب مختلفة سوى لدى فرنجية، لذلك هو الأقرب الى بعبدا وكل الحركات الشعبوية والـ show الذي يمارسه البعض من بنات عراضاته وليس بإيعاز خارجي كما شكك البعض للوهلة الأولى، هي خطوات ارتجالية غير مدروسة. فهل فعلاً بدأ العد العكسي لوصول فرنجية أم أن التوقيت لم يحن بعد؟

شارك المقال