العراق: التنافس الانتخابي يشعل المدن السنية

علي البغدادي

يشهد الوسط السني حراكاً محتدماً وناراً تحت الرماد يتوقع لها الاشتعال مع قرب الانتخابات التشريعية المزمع إقامتها في تشرين الأول المقبل، في ظل التنافس بين تحالفي “العزم” بزعامة الشيخ خميس الخنجر و”تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي، الأكثر تمثيلاً وشمولاً وتأثيراً في المكون السني، على الرغم من وجود تحالفات وشخصيات مرشحة أخرى.

ويشحذ أنصار وأعضاء التحالفين أسلحتهم لخوض المنازلة الكبرى في المناطق السنية سواء في بغداد أو في المدن والمحافظات الغربية والشمالية، ذات الثقل الانتخابي للسنة ومقاعدهم النيابية التي تقارب 75 مقعداً من بين 329 مقعداً في البرلمان العراقي.

ويتصدر المال السياسي واستثمار موارد الدولة واستمالة الناخبين بوعود انتخابية وفي مقدمتها التوظيف، أجندة القائمين على الماكينة الدعائية والإعلامية والتي كان لها تأثير واضح جداً على الواقع السني، الذي يعيش على وقع أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، بسبب التدهور الذي مرت فيه المدن السنية، بعد طرد تنظيم داعش وتحكم الميليشيات الشيعية بالقرار والموارد في تلك المناطق التي تنحدر فيها جودة الخدمات والمعيشة.

وتعاني العديد من المناطق السنية من حالة التهجير القسري للسكان ومنعهم من العودة الى مناطقهم، بذريعة الأسباب الأمنية وهي حالة تثير الغضب في أوساط عشرات الآلاف ممن يحق لهم الاقتراع ويتواجدون في مخيمات النازحين، دون أي تحسن في أوضاعهم أو تقدم في اتجاه حل ملفهم، من قبل الساسة السنة الذين بات كثير منهم يرتبط بشبكة مصالح مع الميليشيات وإيران التي أسهمت في أكثر ضرر تعرضت له تلك المناطق، ولا يخفى امتعاض الناس من وجود مرشحين تحوم حولهم شبهات فساد.

ويخوض أعضاء تحالفي “العزم” و”تقدم” في الساحة السنية حملات “تسقيط” واسعة أمام الرأي العام في ظل تقلب الأعضاء من جهة إلى أخرى، وتغير الولاءات بحسب الثقل السياسي والبراغماتية التي أسهمت في تسجيل العديد من الأحداث والمعارك السياسية في الوسط السني المضطرب.

ويتفوق تحالف “تقدم” على تحالف العزم بالأسلحة الانتخابية المهمة حيث يضع العزم في زاوية الدفاع سواء من جانب الإعلام الذي يعطي محمد الحلبوسي زعيم “تقدم” انطباعاً للرأي العام بأن لا منافس سياسياً له، وأنه سيحصد الأغلبية العددية لمقاعد المكون وهو في موضع الاختيار؛ بين رئاسة المجلس من جديد أو رئاسة الجمهورية التي كانت على مدى أربع دورات انتخابية من حصة الأكراد الذين لا يبدون مرونة بهذا الطرح.

كما يعد الاستخدام الأمثل للمال السياسي من قبل تحالف الحلبوسي، من المؤشرات تدل على إنفاقه بمرونة أكثر وجدية نحو تحقيق أهدافه، بينما يشكو العديد من أنصار “عزم” غياب الجدية في ملف التمويل، إلى جانب امتلاكه مفاتيح مهمة واحترافية في الإدارة الانتخابية ووجود عناصر مؤثرة في المفوضية في المحافظات السنية.

ويمكن التأكيد أن تحالف “تقدم” يعاني من ثلاثة عوامل ضعف قاتلة دون أن يركز تحالف “عزم” على إظهارها واستخدامها لإضعاف خصمه اللدود، وتتمثل بأن على العديد من قيادات تحالف “تقدم” تهم بالفساد ولديهم ملفات في النزاهة، لا سيما أن ملف مكافحة الفساد آخذ بالتوسع والجدية والسرعة .

ويتبادل تحالف الخنجر والحلبوسي الاتهامات بإهمال ملفات المكون السني الرئيسية والمهمة، وخاصة التي تتعلق باستمرار العمل بملف اجتثاث “البعث”، وشمول السنة بالإقصاء من وظائفهم تحت هذا العنوان، إلى جانب ملف العفو العام وملف المغيبين والمفقودين على يد الميليشيات المدعومة من إيران، إضافة إلى ملف التعويضات، إذ فشلت قيادات التحالفين في تتفيذ وعودهما على مدى سنوات .

ويعاني التحالفان من حالة اهتزاز الثقة مع الشركاء السياسيين على اختلاف تنوعهم، بفعل التقلبات السياسية في المواقف وغياب المصداقية في التعامل مع أن تحالف “عزم” يمتلك عناصر قوة كبيرة لم ينجح في توظيفها إلى الآن، تتمثل بوجود رئيسي مجلس نواب سابقين في التحالف وهذا غير موجود في كل تحالفات العراق الانتخابية وعدد لا بأس به من الوزراء والمحافظين ونواب وشخصيات ووجهاء مجتمع لهم ثقلهم في الوسط السني، فضلاً عن امتلاكه وسائل إعلام وفضائيات من الخط الأول ومواقع إلكترونية وإعلاميين، لا يمتلك تحالف تقدم ولو جزءاً بسيطاً من تأثيرها.

كما يحظى تحالف “عزم” بدعم محلي وإقليمي ودولي مهم من قطر وتركيا وإيران ومنظومة الأخوان المسلمين، إلى جانب الحزب الديمقراطي الأميركي، فيما لا يمتلك تحالف “تقدم” إلا دعماً صورياً من قبل الإمارات .

وتبدو حظوظ تحالف “عزم” مقابل تحالف “تقدم” أقوى في فرض وجودهم في الساحة السنية وحصاد الأصوات في الاستحقاق الانتخابي المقبل، على الرغم من تحالف الحلبوسي الذي بات له موطئ قدم لا ينكر في المدن السنية تتيح له أن يكون رقماً في أي معادلة سياسية.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً