صحافيون عالميون ومفكرون فلسطينيون: لا لإسكات الحقيقة!

حسناء بو حرفوش

نشر صحافيون عالميون يعملون لحساب وسائل إعلام مرموقة مثل “سي إن إن” و”نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” ووسائل إعلام أخرى، رسالة طالبوا فيها بتسمية الأشياء بأسمائها في ما يتعلق بتغطية انتهاكات إسرائيل بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وإذ انتقد الصحافيون “البروباغندا” الإعلامية، دعوا لتوصيف إسرائيل بدولة “فصل عنصري”، متهمين بعض زملائهم بتجاهل “التكافؤ التام في القوة” بين إسرائيل وحماس. وفي سياق متصل، نشرت رسالة ثانية تحمل تواقيع مفكرين فلسطينيين يدعون العالم لمساندتهم ولوضع حد لجرائم الاحتلال.

“لقد خذلنا مهنتنا”

ونشر موقع “ميديوم” (medium) رسالة الصحافيين المذكورة أعلاه وجاء فيها: “يشكل البحث عن الحقيقة ومحاسبة المضطهدين جزءاً من المبادئ الأساسية للصحافة. ومع ذلك، تخلت صناعة الأخبار لدينا على مدى عقود عن تلك القيم في تغطية الأحداث بين إسرائيل وفلسطين. لقد خذلنا جمهورنا برواية تحجب الجوانب الأساسية للقصة: الاحتلال العسكري الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري. لذلك، يتوجب علينا تغيير المسار على الفور وإنهاء هذه الممارسات الصحفية السيئة التي استمرت عقودًا من أجل قرائنا ومشاهدينا ومن أجل الحقيقة (…) وأصدرت “هيومن رايتس ووتش” في نيسان، تقريراً من 213 صفحة وثق ارتكاب السلطات الإسرائيلية لـ “جرائم ضد الإنسانية مثل الفصل العنصري والاضطهاد”. ووصفت مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” المنطقة بأنها محكومة بنظام الفصل العنصري. واكتسبت مصطلحات مثل الفصل العنصري والاضطهاد والتفوق العرقي، اعترافاً مؤسسياً متزايداً بعد سنوات من الدعوات الفلسطينية، ونحتاج كصحافيين للتأكد من أن تغطيتنا تعكس هذا الواقع.

فلنأخذ على سبيل المثال المصطلحات المستخدمة في التغطية الأخيرة لأحداث حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. غالبًا ما تشير وسائل الإعلام إلى التهجير القسري للفلسطينيين الذين يعيشون هناك على أنه “عمليات إخلاء” بيد أن هذه العملية غير قانونية بموجب القانون الدولي ويحتمل أن تشكل جريمة حرب. وتتم الإشارة بشكل مضلل إلى “نزاع” عقاري بين المستأجر والمالك، وهو تصوير غير دقيق للوضع. وتعتبر الأمم المتحدة القدس الشرقية أرضاً فلسطينية محتلة، ما يعني أن مطالبات إسرائيل الإقليمية فيها غير قانونية. والأهم من ذلك، يتجاهل استخدام المصطلح الهدف الموثق جيداً للحكومة الإسرائيلية والمتمثل بترسيخ الهيمنة العرقية والحفاظ عليها ضد الفلسطينيين.

مثال آخر خلال شهر رمضان، حيث هاجمت القوات الإسرائيلية المصلين في المسجد الأقصى بعنف وأطلقت عليهم الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. لم يسم الصحافيون ذلك “هجوماً” أو “اعتداءً” على الفلسطينيين، بل “صداماً”، كما لو أن الجانبين يتشاركان القدر نفسه من الملامة والمسؤولية في التصعيد. وعندما هاجمت إسرائيل غزة، صورت وسائل الإعلام الوضع على أنه “صراع” بين كيانين متساويين، متجاهلة التباين التام في ميزان القوة. وتحت ستار الموضوعية، تمت تغطية الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل، والتي تسببت بأضرار أقل بكثير من تلك التي خلفتها الضربات الجوية الإسرائيلية، تماما مثلما نقل قصف إسرائيل للمرافق الطبية وتسويتها للمباني السكنية بأكملها بالأرض.

(…) ولا يطال عدم التكافؤ السياق اللغوي المستخدم فحسب؛ بل مالت بعض القصص إلى تضخيم الروايات الإسرائيلية بشكل غير متناسب بالتوازي مع قمع الروايات الفلسطينية (…) ولا جدال في الخسائر البشرية التي سببها القصف الإسرائيلي: مئات القتلى من ضمنهم أكثر من 65 طفلاً (…) ولا يزال الأمر يبعث على القلق حتى بعد وقف إطلاق النار حيث تراجعت التقارير حول فلسطين بشكل كبير مع إيقاف إسرائيل لغاراتها الجوية. وما يزال الفلسطينيون يتعرضون للتجاهل في ما يسمى بأوقات “السلام”، علماً بأن الهجمات والممارسات العدائية الأخرى للحياة تحت الاحتلال مستمرة (…) نحن ندعو الصحافيين إلى قول الحقيقة كاملة في سياقها دون خوف أو محاباة والاعتراف بأن التعتيم على قمع إسرائيل للفلسطينيين يفشل معايير الموضوعية الخاصة بصناعة الصحافة. وقد التزمنا، وهذا واجبنا المقدس، بنقل القصة كاملة كما ينبغي. وفي كل مرة نفشل بنقل الحقيقة، نخذل جمهورنا وهدفنا ونخذل في النهاية الشعب الفلسطيني.

إشارة إلى أن الرسالة حملت من ضمن تواقيع أخرى، تواقيع صحافيين من “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”سي إن إن” و”باز فيد” و”اسوشييتد برس” و”لوس انجلس تايمز” و”ان بي ار” و”ان بي سي نيوز” و”اي بي سي نيوز” و”ذا اتلانتيك” و”ذا بوسطون” و”هافنتون بوست” و”ذا دايلي بيست” و”ناشيون” و”ذا انترسبت”.

رسالة من مفكرين ومبدعين فلسطينيين

وفي سياق متصل، نشر موقع “ميديا بارت” (Mediapart) رسالة أخرى موقعة من قبل فنانين وكتاب ومبدعين فلسطينيين، تدين الفصل العنصري وتدعو لدعم النضال الفلسطيني ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ومن ضمن ما ورد فيها: “لا بد من تفكيك نظام الفصل العنصري (…) والوقوف بوجه الاحتلال الإسرائيلي المدعوم بالتواطؤ الدولي (…) لقد تعرض الفلسطينيون منذ بداية شهر أيار للاعتداء والقتل على أيدي جنود ومدنيين إسرائيليين مسلحين يجوبون شوارع القدس واللد وحيفا ويافا ومدن إسرائيلية أخرى (…) دون أن يحاسب المرتكبون (…) كما هجرت عائلات في حي الشيخ جراح في القدس قسراً من منازلها (…) ومورست الاعتداءات تحت حماية، إن لم يكن مباركة، الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الشرطة (…) إنه لمن الخطأ والتضليل عرض الوضع بين غزة وإسرائيل على أنه حرب بين طرفين متساويين. إسرائيل هي القوة المحتلة وفلسطين خاضعة للاحتلال. هذا ليس نزاعاً، إنه فصل عنصري.

(…) ولقد بدأ العالم أخيراً بتسمية النظام الإسرائيلي باسمه (…) واتهمت هيومن رايتس ووتش إسرائيل بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية وجرائم الفصل والاضطهاد (…) وإذا أسكتت الأصوات الفلسطينية مجدداً، قد يستغرق الأمر أجيالًا لينهض أمل الحرية والعدالة (…) نطالب بدعمكم للوقف الفوري وغير المشروط للعنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وإنهاء الدعم العالمي لإسرائيل وجيشها، وتحديداً من قبل الولايات المتحدة، التي تزود البلاد بمساعدات مالية تصل إلى 3.8 مليارات دولار سنويًا، دون شروط. كما ندعو الجميع (…) لفرض عقوبات على إسرائيل وتعبئة هيئات المساءلة الدولية وإنهاء علاقاتها التجارية والاقتصادية معها (…) لقد حان الوقت لمعارضة أساليب الصمت هذه والتغلب عليها (…) يجب تفكيك الفصل العنصري. لن يتمتع أحد منا بالحرية قبل أن يتحرر الجميع”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً