“ثورة” البيطار تثير جدلاً سياسياً قضائياً

محمد شمس الدين

أثارت خطوة المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الجدل على كل المستويات، وضجت الأوساط السياسية بقراره، بين مؤيدين مثل بعض القوى المعارضة، ومعارضين مثل بعض القوى الموالية. المؤيدون للبيطار يوافقونه من دون أي تحفظات، وذلك بسبب حجم الجريمة، ويعتبرون أنه يتخطى محاولات عرقلة التحقيق السياسية، أما من يعارضونه فيتساءلون عن التوقيت، وعن دور الخارج في قراره، تحديداً أنه اتخذه بعد زيارة وفد من القضاة الفرنسيين الى لبنان. أما قضائياً فالانقسام سيد الموقف، على الرغم من أن النسبة الأكبر من القضاة تعتبر أن قرارات البيطار غير قانونية، لا سيما لجهة ادعائه على مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، الذي أرسل اليه كتاباً ذكره فيه بأنه مكفوف اليد. وفي حديث لموقع “لبنان الكبير” علقت مصادر قانونية على كتاب القاضي عويدات بالقول: “إن الطريقة التي تمت صياغة الكتاب بها تدل على أن الملف له بعد طائفي متعلق برئاسة الجمهورية وصلاحياتها، وليس اختلافاً في وجهات النظر القانونية فقط، فقد بدأ القاضي عويدات البيان بآية قرآنية”.

من جهة أخرى، علم “لبنان الكبير” أن مرجعية قضائية كبرى، من مؤيدي القاضي البيطار وداعميه، لم تتمكن من الاقتناع بما أسمتها “الفتوى القضائية المصطنعة”.

وأشارت مصادر قضائية الى أن خطوة البيطار أحرجت رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، فالقاضي عويدات هو نائبه في المجلس، وقد ادعى عليه البيطار، وكذلك على 3 قضاة آخرين اثنان منهم مقربان من عويدات. واستبعدت المصادر أن يعقد مجلس القضاء الأعلى، غير المكتملين أعضاؤه أساساً، جلسة للبت بالأمر، مما سيزيد من عمق الانقسام القضائي في العدلية.

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير” رأى محامي أحد المدعى عليهم من البيطار أن ما أقدم عليه “يحتاج إلى دراسة بعمق، لمعرفة أصحية الاسنادات والحجج التي استند إليها، ولكن في قراءة بسيطة لما نشر، يمكن القول إنها تحول المحقق العدلي إلى سلطات كاملة، لا أحد يستطيع الوقوف في وجهه، وأعطى نفسه صلاحيات مطلقة، وأًصبح أقوى سلطة، ونصّب نفسه نيابة عامة، لا تخضع للمحكمة التمييزية، وهذا يعني أنه لا يخضع لأي رقابة”، لافتاً الى أن “هذا الاجتهاد قلب المقاييس 180 درجة، ويمكن توصيفه بثورة قضائية، تغيّر معايير كثيرة في المحاكمات وفي المجلس العدلي، وستكون لها ترتبات كبيرة مستقبلاً إذا تم القبول بها”.

واعتبر مصدر قضائي مخضرم أن ما قام به القاضي البيطار، “أطاح بالقانون، ودمر كل المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القضاء ووضع المحقق العدلي فوق القانون”، مؤكداً أنه “لا يمكن القبول بأن لا يكون هناك قاضٍ لا يخضع لمبدأ الرد والتنحي، هذا الأمر ليس مقبولاً في كل بلاد العالم، لأنه يخالف مبدأ الحياد، فمن حق المتقاضي أن يشعر بالأمان”.

وأوضح المصدر أن “هناك مراجع قانونية تعتبر أن كل قرار يصدره القاضي بعد كف اليد منعدم الوجود وليس غير قانوني فقط، وهذا ما أكده الرئيس عويدات في كتابه، هذه القرارات غير موجودة”، مشيراً الى أنه “في حال مر الأمر من دون تحرك من السلطات القضائية يكون القضاء أمام مفترق خطير، وستكرّس ظاهرة التمرد القضائي، ونستذكر كيف اتهم أحد القضاة بالتمرد وأوقف عن العمل، على الرغم من أن كل ما قام به هو التصريح بأنه ضد الفساد، بينما القاضي البيطار يدعي على أركان الدولة ويده مكفوفة، وندرج عمله تحت إشكالات قانونية عدة، ويمكن اعتبار قراراته صادرة عن منتحل صفة، أو عن مرجع غير مختص، أو هو فعل منعدم الصلاحية، وأكثر من ذلك هو يعرض الدولة للانهيار”.

من جهة أخرى، أسفت مصادر قضائية لما يحل بالقضاء اللبناني، الذي “تحول إلى إعلام واستعراض، وبيانات وبيانات مضادة، والهدف تسجيل (اللايكات)”، عازياً ذلك الى “غياب سلطة حاكمة قادرة على الامساك بزمام الأمور، الفراغ يضرب رئاسة الجمهورية، الحكومة هي لتصريف الأعمال فقط، والسلطة السياسية مشرذمة أما السلطة القضائية فأصبحت منقسمة و(كل واحد فاتح على حسابو)”. وقالت: “نحن نعيش صورة ضبابية خطرة في القضاء، تنذر بتحلله”.

وعلم “لبنان الكبير” أن مرجعية سياسية كبرى تحرص على دور القضاء والجيش، وعدم وضعهما في المواجهة لأنها تعتبر أنه بذلك يتم القضاء على أخر ما تبقى من وجود الأمن للدولة، وترتاب اليوم من تصرفات القاضي البيطار، وأبدت في مجالسها الخاصة خوفها من أن يؤدي الأمر إلى ضرب المؤسسة القضائية.

انقسم مؤيدو القاضي البيطار بين رأيين، قسم يعتبر أن ما قام به غير قانوني وفقاً للنصوص، ولكن بسبب العرقلة الحاصلة في ملف انفجار المرفأ يمكن تبرير فعلته، وقسم آخر أيد قراءته القانونية بصورة كاملة، واعتبر أن المحقق العدلي لا يمكن تنحيته.

شارك المقال