لِمَنْ الهتاف “الشعب يريد اسقاط النظام؟”

لؤي توفيق حسن

شعب في اللادولة… فلمن الهتاف “الشعب يريد اسقاط النظام؟”

أي نظام وحيث اللانظام، وحيث المؤسسات المتاَكلة حتى الفناء بما فيها القضاء الذي صار بسكينه ينحر نفسه؟ حراك الشارع اللبناني من أزمة القمامة 2015 حتى الاَن لا يتعدى دائرة السخط مقطوراً بحاجة أو مطلبٍ بعينه. ولأنه غير مرتبط بوعي في المشهد العام حيث النظام المفلس، فان المعالجات الاَنية أو الترقيعية التي تأتي بها الشبكة الحاكمة كانت تتكفل بعودة الشعب إلى سيرته الأولى مخدراً، كما قول الشاعر مهدي الجواهري: “نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي. حَرَسَتْكِ آلِهة الطَّعام!”.

عندما يتظاهر الشعب في اللادولة وبعد أقل من سنة على الانتخابات فانما يعلن عن خيبته وهنا المأساة. والمأساة أيضاً عندما يصبح الغضب قريناً بالدولار فيما هذا الأخير أشبه بعارض ارتفاع حرارة المريض، وحيث الحرارة هنا نتيجة وليست علةً بذاتها. وتغدو ذروة المأساة أن نجد شريحةً من النخب –وهم كثرة في لبنان – تستزلم للشبكة الحاكمة وغالبيتها بين جاهل أو نصف متعلم، فيما شرائح أخرى لا يتعدى رفضها أبعد من حدود الشفتين، والمفارقة أن الشبكة تلك استطاعت ارساء قاعدة في علاقتها مع شعبها تحاكي مقولة فريدريك الأكبر “لقد انتهيت أنا وشعبي إلى اتفاق يرضينا جميعاً، يقولون ما يشتهون وأفعل ما أشتهي”.

الوسائل الديموقراطية

الشعوب عادة تثور على نظام لا حيلة لها في تغييره بالوسائل الديموقراطية، وحيث الاَفاق مغلقة لتداول السلطة. لكن في لبنان الوسيلة متاحة سلمياً عبر الانتخابات النيابية، وهي في حيثياتها غير صورية كالحال في الأنظمة الموجهة، وحيث الحزب الواحد و”الرئيس القائد” أو “المرشد الأعلى”!. نعم هذا ما يتيحه الدستور اللبناني، والدليل صعود أشخاص إلى الندوة النيابية من خارج المنظومة الحاكمة، مثالهم ما يسمى بـ”نواب التغيير”، وهذا بصرف النظر عن رأينا في أداء البعض منهم فيما بعد، الا أن وصولهم كشف وجود امكان فعلي لتجديد الماء الراكد في البحيرة، والقفز فوق الحواجز الطائفية المزروعة في ميدان السباق. لكن للحق فان بؤس الحكومات اللبنانية المتعاقبة أمر يتحمله بنسبة كبيرة الشعب اللبناني بالذات والذي ما فتئ وما انفك يجدد للطبقة السياسية الحاكمة على الرغم من فسادها، فيما نخبه المستنيرة أو المعول عليها توزعت بين منافق مستزلم، أو في أحسن الحالات شلل مبعثرة تباعدها نزعة “الأنا”، تمارس السياسة بنرجسية أو أحياناً وسيلة للبروز الاجتماعي على خلفية عقد النقص، وهي بهذا لا تملك حتماً ثقافة العمل الجماعي، ما أفصح عنه تبعثر لوائحها في الانتخابات النيابية الأخيرة، ثم انقسامات النواب الـ 13 الذين استطاعوا مؤخراً الوصول إلى الندوة النيابية، بحيث ما عادوا عملياً كتلة واحدة ذات تأثير.

وثيقة الطائف

لا شيء يشي بالخلاص، ولا شك في أن لا مخرج من هذا المأزق قبل انتخاب رئيس للجمهورية لتستقيم به المؤسسات، هذا هو المفتاح، ولكن من العبث أن نظنه الحل!، وذلك عملاً بالقاعدة الذهبية “من الحماقة أن تتوقع نتائج مختلفة اذا كنت تكرر التجربة ذاتها”.

فالحل يبدأ بسد الثغرات في تطبيق صيغة الطائف انقاذاً لهذا العقد الوطني الذي ارتضاه اللبنانيون، فيما البعض يتربصون به طامحين الى خلطٍ جديد للأوراق على وقع الأزمة غير المسبوقة التي تجتاح لبنان، ليعيدوا منها تشكيل السلطة طوائفياً بعقد جديد تحت وطأة استحواذ السلاح باعتباره واقعاً. وهنا سيكون الهروب من استحقاق المواجهة إلى الفدرلة ضربٌ من القصور السياسي كونها غير متاحة وغير مقبولة بل وغير ممكنة من الوجهة العملية، ولهذا ستغدو طروحات الفدرلة مناورةً خارج الملعب، لا يمكن منها تسجيل النقاط.

لا أفق الا من خلال وثيقة الطائف التي صار لا بد من انتشالها من هذا المحيط السياسي القذر في غالبيته والتي تفوح منها نتانة الفساد والسرقات والسمسارات، والسبيل إلى هذا يكمن في اعادة تشكيل القوى السياسية على أسس وطنية سيادية، والملعب هو البرلمان، والمدخل في قانون جديد يحرر الانتخابات من سطوة المال، واَلية القاطر والمقطور!. أما القانون الحالي المعمول به – وغير المسبوق – فهو اختراع يستحق أصحابه أن ينالوا عليه جائزة “الشيطان الأكبر” في الاحتيال والخبث، قد لا يفوقه حقارةً الا ما أُسمي بـ “القانون الأرثوذكسي”.

في اللادولة المناداة باسقاط النظام هي من لزوم ما لا يلزم. البديل الطبيعي الهتاف بأعلى الصوت “الشعب يريد بناء الدولة”.

شارك المقال